بقلم : أمينة خيري
ترتيب الأخبار فى نشرات الأخبار يعكس أهميتها. وهو ترتيب يظل فى العالم كله حائرًا بين معيارين: الأول الأهمية المجردة للأخبار، والثانى الطريقة المراد بها تشكيل الرأى العام وتوجيهه.
وبالمناسبة فإن توجيه الرأى العام وتشكيله ليس عيبًا أو حرامًا. لكنه فن يتسع للابتكار. كما أنه صنعة لها أصول. وأول قاعدة هى تجنب السفسطة مع المنطق. فقواعده فى مشارق الأرض ومغاربها لا تغيرها نظم سياسية، أو مصالح اقتصادية، أو حتى أفكار أيديولوجية. والقاعدة الثانية هى أن جرعات الأخبار اليومية تلعب دورًا رئيسيًا فى تشكيل وتغيير وتثبيت الأفكار والمشاعر والتصرفات. والقاعدة الثالثة هى أنه فى العام الـ19 من الألفية الثالثة، يتشكل جانب كبير مما سبق من مواقع التواصل الاجتماعى بأنواعها، وعبر إعادة تدوير ما يدور فيها.
هذه المقدمة الطويلة العريضة الغرض منها القول بأن بث خبر العبوة الناسفة التى استهدفت باصًا سياحيًا فى محيط المتحف المصرى الكبير يوم الأحد الماضى ثانى أو ثالث خبر فى نشرات الأخبار فى ذلك اليوم لم يكن موفقًا على الإطلاق. ونحمد الله كثيرًا ونشكره لعدم وقوع وفيات أو إصابات كبيرة. كما نثنى على ما قامت به وزيرة السياحة الدكتورة رانيا المشاط من اصطحاب مجموعة من السياح الذين كانوا على متن الباص فى جولة فى منطقة الأهرامات بعد الحادث بقليل، وهو تصرف بالغ الذكاء والحنكة. والصور التى التُقطت هناك كانت أبلغ من ألف شجب وإدانة، أو تأكيد على أن مصر آمنة، إلخ. لكن تأجيل بث الخبر نفسه فى النشرات ليبدو وكأنه ليس مهمًا أو دالاً على فداحة، لم يكن قرارًا موفقًا. ليس هذا فقط، بل إن مثل هذه القرارات- التى مما لا شك فيه تنبع من حسن نية ورغبة حقيقية فى تقليل الآثار السلبية- تتحول إلى سلاح حاد وفعال فى أيادى الأعادى.
وإذا كنا نعانى الأمرين من تهويل وتربص من قبل مؤسسات إعلامية دولية أخذت على عاتقها منذ عام 2013 استخدام الميكروسكوب للتنقيب عن كل ما من شأنه أن يلحق الضرر بمصر وقيادتها السياسية عبر النفخ فى كل كبيرة وصغيرة، معتمدة على إرثها المهنى وسمعتها الإعلامية والمهنية الطيبة، فإن وأد أخبار مصر المهمة والتأكيد المبالغ فيه على أن «كله تمام» وأن الحادث كأن لم يحدث، يلحق بنا ضررا أكبر.
وإذا كان الغرض هو مخاطبة الرأى العام المصرى، فكما ذكرنا هو يتشكل فى جانب غير قليل منه عبر ما ينشر فى وسائل التواصل الاجتماعى. وإذا كان الغرض هو مخاطبة الرأى العام العالمى، فهو لا يقرأ صحفنا أو يشاهد قنواتنا، لكن يرصدها وينتقد منهجها وأحيانًا يسخر من فكرها وأسلوب تدوير محتواها.
مرة أخرى تشكيل الرأى العام وتوجيهه صنعة، منها ما يتسم بالجودة ومنها ما يعانى من ضيق الأفق وقصر النظر.