بقلم : محمد أمين
كل الأيام المصرية حاضرة بقوة فى ذهن القيادة السياسية.. ليس فقط 23 يوليو أو 30 يونيو.. ولكن كل الأيام التى تسبقها، والتى تلحقها، وما بينهما.. منذ ثورة عرابى مرورًا بثورة 19، و6 أكتوبر، و25 يناير.. كلها أيام فى تاريخ مصر.. لا ينساها الرئيس ولا ينسى رجالها.. فهو لا ينسى عبدالناصر ولا محمد نجيب.. ولا ينسى المشير طنطاوى، ولا المشير أبوغزالة!.
فقد تصالح الرئيس مع نفسه منذ أول يوم.. وتصالح مع التاريخ.. التقى عائلة عبدالناصر وكرمها، والتقى عائلة السادات وكرمها.. ولم ينس أيضًا يوسف صديق.. كرمه ومنحه أعلى وسام، وهو قلادة النيل.. كان الرجل منسيًا للأسف.. كأنه يقول اكتبوا التاريخ بصدق.. ولا تزيّفوه.. هو أيضًا فى القلب من هذا التاريخ.. لا يحب أن يظلمه أحد أبدًا، أو يجامله أحد أبدًا!.
ومن المصادفات أن يتزامن الاحتفال بتخريج دفعة من الكليات العسكرية مع الاحتفال بذكرى ثورة يوليو.. وفى ذكرى الثورة يشدد «السيسى» على اسم «نجيب».. وجّه التحية إلى الرئيس محمد نجيب.. حتى لا يستقر فى أعماق الناس أنه مجرد محطة مترو لشخص لا يعرفونه.. قبلها افتتح أكبر قاعدة عسكرية فى الشرق الأوسط باسم «الرئيس المنسى» محمد نجيب!.
يريد الرئيس أن يقول: لا تنسوا نجيب ولا يوسف صديق.. ويريد الرئيس أن يقول لا تنسوا المشير أبوغزالة ولا الفريق الشاذلى.. يريد أن يقول أيضًا كل شخصية مصرية كانت وطنية، وأدت دورها بالذمة والصدق، كما رأته فى تلك الفترة.. وبالأمس أطلق اسم المشير أبوغزالة على الدفعة 113 حربية، والدفعة 48 من المعهد الفنى للقوات المسلحة، وهى حالة تصالح نادرة!.
هذه هى «القاعدة» التى يؤصلها.. كلهم وطنيون أدوا أدوارهم تجاه مصر.. كأنه يعيد كتابة التاريخ.. يخلد أسماءهم على القواعد العسكرية.. ويخلد أسماءهم على دفعات الحربية.. وقد ترك كل ذلك أثرًا كبيرًا فى النفوس، هكذا أقرأ الصورة دون أن يشرحها أحد.. وهكذا أقرأ المشهد دون أن يترجمه أحد.. لكن الصورة والمشهد يترجمان شخصية الرئيس أولًا وأخيرًا!.
فلم أحضر الاحتفال لأنقل لكم ما رأيته، وإنما تابعت بعض الأخبار والصور.. وقد استوقفنى عرض الموسيقى العسكرية فى حفل التخرج.. وقد رسم العازفون مفتاح الحياة والأهرامات الثلاثة.. وهى رسالة مهمة للغاية.. استوعبها ضيوف مصر.. فنحن لا نُخرّج الدفعات العسكرية كى نحارب، وإنما لتستمر الحياة، والمفتاح هو رمز الحياة الأبدية، وسر الأسرار عند المصريين!.
باختصار، لم يصنع التاريخ «رجل واحد» فى ثورة 23 يوليو، أو 30 يونيو.. ولم يصنع نصر أكتوبر رجل واحد هو أنور السادات.. إنما صنع التاريخ رجال مصر.. ولم ينس «السيسى» أن يقول إن الشعب «بطل ثورة التنمية».. فقد أيد الشعب «إجراءات الإصلاح»، وتحمل الآلام لتحيا مصر!.