بقلم : محمد أمين
لا مانع أن تبحث عن «شوية أوكسجين» من وقت لآخر.. إنها رحلة البحث عن نفسك، أو عن صحتك دون حاجة لطبيب.. ستجد أن كل الأجهزة عادت تعمل بشكل طبيعى جداً.. الجهاز الهضمى سيعمل بصورة طبيعية دون أدوية القولون أو الإمساك، أو ما شابه ذلك.. الجهاز التنفسى سوف تضبط عليه ساعتك، ويستريح صدرك فى هدوء.. وسوف تنام بعمق من غير منوم!.
وطبعًا قس على كل من الجهاز الهضمى والجهاز التنفسى سائر «الأجهزة الحيوية» فى الجسم.. ستعمل بلا أى عوامل مساعدة.. ولن تتعاطى أى حبوب.. جربوا أن تكون هناك إجازة وستعرفون الفرق.. حيث لا دخان ولا زحام ولا خناقات، ولا أى شىء.. ستكتشف أن صوتك أصبح منخفضًا فجأة.. سترتاح من الكلام فى السياسة و«قرارات الحكومة» وزيادات الرسوم!.
ابحثوا عن «شوية أوكسجين» بعيدًا عن الزحام والدخان والموبايلات.. راقبوا كيف تتحسن صحتكم؟.. إذا شعرتم بأى متاعب صحية أنصحكم بأن تذهبوا بعيداً.. حيث لا مصانع ولا سيارات ولا كلاكسات.. افعلوا ذلك قبل أن تراجعوا الطبيب.. وقبل أن يطلب منكم التحاليل والأشعات.. ابعدوا عن وسائل الاكتئاب.. ابعدوا عن النكد تماماً.. ولا «تأخذوه معكم فى الرحلة»!.
اذهبوا إلى الأماكن البكر، حيث لا يعرفكم أحد.. المعارف سوف يفرضون عليك برنامج الزيارة.. سوف يحولونها إلى ندوة، وأنت غير فاصل.. سوف يدعون آخرين لحضور السهرات والأمسيات.. اعتبر نفسك فى رحلة علاجية.. اسحب الفيشة فوراً.. اذهب إلى البحر وتكلم معه.. البحر لا يقلب عليك، ولا يعرف نقطة ضعفك، ولا يبوح بأسرارك، ولا يستخدمها عند الغضب!.
أنصحك أيضًا ألا تفتح التليفزيون على نشرة الأخبار.. ولا تفتحه على برامج «التوك شو».. اطمئن لن يفوتك أى شىء.. ستعرف كل «المصائب» حين تعود.. ستشعر بها حين تكون على حدود القاهرة.. ستنقل لك الإذاعة كل الأخبار.. وسيتسرب الدخان إلى صدرك.. وتشعر بالتراب فى فتحتى أنفك.. وتمسحه من على جبهتك.. سيتغير كل شىء «فجأة» إلى الوضع الطبيعى!.
أصبح الاختناق هو الأصل.. سواء من الزحام والضوضاء والدخان، أو من قرارات الحكومة.. الاستثناء أن تعيش فى هدوء وسكينة.. الأصل أن تذهب للطبيب وتقوم بعمل التحاليل والأشعة.. الأصل أن تتلقى قرارات الجباية كأنها «قضاء وقدر».. دون أن تكلف الحكومة نفسها بشرح أى شىء للرأى العام.. الاستثناء أن تحصل على جرعة أوكسجين بلا رسوم ولا ضرائب!.
وبعد، فقد كسبت «شوية أوكسجين»، ولكنى خسرت لقاء أحبتى طبعاً.. عوضنى عن هذه الوحشة اتصالات كريمة ورسائل موبايل وواتس آب.. يسألون عن سر الغياب.. «طمنا لو سمحت.. لماذا غيابك فجأة؟».. ومن يقول «إنت كويس؟.. خضتنى عليك».. لم يصدقوا أننى قد أغيب بإرادتى.. أشكركم جميعاً.