بقلم : محمد أمين
لم تصدر تعليمات إطلاقًا لوقف النشر فى قضية عطش بورسعيد.. إنهم المتطوعون.. ولم يعتبر أحد أبدًا أن قضية انقطاع المياه عن المدينة الباسلة قضية أمن قومى.. إنهم المتطوعون.. هم الذين تركوا المدينة عطشانة ولم ينشروا موضوعًا.. هم الذين اعتبروا أنها مسألة وقت.. على الأقل اسألوا عن سر انقطاعها.. اسألوا عن «الحوت الذى شرب المحيط»!.
فلا صحافة ولا إعلام إن كان لا يشعر بنبض الناس.. مأساة الإعلام أن الذين يديرونه متطوعون، لم يُطلب منهم أى شىء.. مأساة هؤلاء أنهم لا يفهمون معنى الصحافة.. لم يقل لهم أحد تكلموا فى السياسة.. لم يقل لهم أحد اجعلوها قضية سياسية.. هى قضية إدارة بالدرجة الأولى.. وقضية محليات.. وقضية وزارة.. وقضية محافظة.. فلماذا لم «ينشروا» أى شىء؟!.
الحكومة نفسها تعترف بوجود الأزمة.. وتعرف من شرب المحيط.. تعرف من شرب مياه الترعة.. تعرف أن المزارع قطعت المياه عن المدينة.. وللأسف الصحافة لم تعترف بالأزمة.. لم تعترف بأن هناك مشكلة.. لم تبحث من باب المهنية أسباب قطع المياه.. لم تنشر شيئًا من قصص العطشانين.. قصة الفناطيس وبيع المياه المعدنية.. لم نقرأ «قصة إنسانية» واحدة!.
والسؤال: إذا كانت الحكومة تعرف أن هناك رجال أعمال قطعوا المياه، فلماذا لم تحاسبهم؟.. ألا تعرف معنى قطع المياه خمسة أيام عن محافظة تشرب من الترعة؟.. لا يكفى أن يتحرك المحافظ ويقف على الترعة حتى يتم تطهيرها.. لا يكفى أبدًا أن ترفع الحالة إلى حد الطوارئ بعد الأزمة.. مصالح الناس لابد أن تكون فى «حالة طوارئ» دائمًا وأبدًا ليلًا ونهارًا!.
نخسر كثيرًا حين «نكمم الأفواه»، ونخسر كثيرًا حين لا نسمح بحرية النشر.. على الأقل فى القضايا اليومية.. على الأقل فى القضايا الاجتماعية.. على الأقل فى القضايا الرياضية.. على الأقل فى القضية الفنية والدرامية.. معقول أصبحت قضايا أمن قومى.. كيف نتوسع فى المنع إلى هذا الحد؟.. ما تفسيرك لحالة الصمت؟.. هل الصمت يعنى مثلًا أنه لا توجد مشكلة أصلًا؟!.
ضار جدًا بالوطن أن تنتقل حركة النشر من الصحف اليومية إلى السوشيال ميديا.. ربما لا تأمن عواقبها.. وربما لا تأمن عمليات التهييج والغوغاء.. فى الوقت نفسه، لا أحب أن تتقلص الأدوات الطبيعية للنشر لصالح وسائل لا رقابة عليها.. ولا يملك أصحابها الأدوات اللازمة للكتابة.. تهميش الصحف مؤشر سلبى.. الإحساس بالخوف لا يصنع صحافة بالمرة!.
وختامًا، أكرر أنه لم يطلب أحد منع النشر فى قضية عطش بورسعيد.. فمن قال إن الكتابة فى الأكل والشرب «قضية أمن قومى»؟.. ومن قال إن مصالح الناس لا تصلح للنشر؟.. فتش عن المتطوعين.. هؤلاء يبتعدون عن وجع الدماغ.. جعلوا سقف النشر عند سطح الأرض دون تعليمات!