بقلم : محمد أمين
حدش أحسن من حد.. كان عندنا رئيس معزول ورئيس مخلوع، وعرفنا هذه النوعية من الرؤساء.. والآن فى أمريكا رئيس يستعدون لعزله ويكسرون وراءه القلل القناوى.. والعزل هنا ليس بثورة شعبية، ولكن بإجراءات دستورية وقانونية!
وعلى أى حال، أن تأتى إلى سُدة الحكم بلا تجربة سياسية، فهذا شىء وارد، ومتفهَّم، فى ظل ظروف سياسية متغيرة، وهو انتصار كبير.. ولكن أن تذهب بلا عزوة، ولا تكريم، وكل الناس يهتفون ضدك، ويسعون لعزلك، فهذه مصيبة كبرى، خاصة إذا كان هذا الرجل هو الرئيس الأمريكى الذى كان يحكم العالم من البيت الأبيض!
وللأسف، فهذا الرئيس لا يعرف مصيره الآن، وقد كان يحدد مصائر الدول والرؤساء.. فقد حاصروه، ويفكرون فى عزله، وأوقفوا حسابه الشخصى على وسائل الاتصال.. وليس لديه أى وسيلة الآن للتعبير عن رأيه شاكرًا مُمْتَنًّا أو معتذرًا لشعبه، أو حتى ليعلن استقالته ويتولى نائبه!
الموقف الآن مسىء جدًا لاسم أمريكا، راعية الديمقراطية فى العالم.. فقد أعلن ترامب أنه لن يحضر مراسم تسليم السلطة، وقال بايدن ما معناه «أحسن» تفاديًا لأى فضيحة أخرى.. وهناك محاولات الآن لترتيب قصة العزل قبل عشرة أيام تقريبًا من مغادرة الرئيس.. وهم لا يطمئنون إلى ما يمكن أن يفعله فى الأيام الأخيرة، مستغلًا سلطاته الدستورية.. والمتحدث باسم البيت الأبيض يحذر من العزل حتى لا يؤدى ذلك إلى انقسام أكبر بين الأمريكيين!
وتخيلوا أن الرئيس، الذى قاطع الصحافة والإعلام منذ أول يوم، لا يستطيع أن يتعامل معها الآن، ولجأ إلى حساب حكومى رسمى ليخاطب المواطنين «الشرفاء» والعظماء الذين انتخبوه.. وقالت «بيلوسى» إنها أصدرت تعليمات إلى لجنة القواعد فى المجلس بالمضى قدمًا لمساءلته بغرض العزل استنادًا إلى التعديل رقم 25 فى الدستور الأمريكى، والذى ينص على عزل الرئيس عندما يكون غير قادر على القيام بواجباته الرسمية.. وهو الأمر الذى يعارضه مايك بنس وتعارضه حكومة ترامب أو ما تبقى منها بدون استقالة حتى الآن!
وكانت هذه نتيجة مُتوقَّعة لسلوكيات سابقة، استقال فيها مستشارون كثر حول ترامب، واستقال فيها وزيرا الدفاع والعدل.. فحكومته الآن بلا وزيرى دفاع أو عدل.. لأنه تعامل مع حكومته كأنهم يعملون فى شركته الخاصة، أو كما نقول نحن كأنهم يعملون فى عزبته الخاصة!
قد يكون ترامب مواطنًا أمريكيًا، ولكنه بعقلية شرق أوسطية أو عالم ثالث.. هدَم القواعد، وأهان المؤسسات، ودنّس فكرة الرمز.. وساعد على اقتحام «مبنى الكابيتول»، واستحدث خطابًا سياسيًا عفا عليه الزمن، وأعاد إلى الأذهان من جديد الكلام البغيض عن العنصرية، وقسّم الأمريكان، فاستحق العزل لأنه لم يعد قادرًا على القيام بواجباته الرسمية نحو شعبه!
وأخيرًا، سيظل حكم ترامب فرصة لمراكز الدراسات والأبحاث، وسوف يتجنبون مثل هذا الشخص فى الترشح للرئاسة الأمريكية.. وقد لا يحتاجون لأى تعديلات دستورية جديدة، فالمادة قائمة فعلًا.. قد تُستخدم فى حالة المرض، ولا تُستخدم عندما يكون الرئيس ثورًا هائجًا!