بقلم : محمد أمين
كان الاستفتاء معركة حقيقية بين فريقين أو ثلاثة، لم نعرفهم إلا بعد ظهور النتيجة، أو قل مباراة شطرنج.. فريق تمثله الدولة برجالها وأنصارها، وفريق آخر يمثله المشاركون بلا والمقاطعون تمامًا.. عرفنا الأوزان النسبية للمؤيدين والمعارضين.. والآن علينا أن ندرس ما حدث، وأن نستفيد بتحليل النتيجة.. فماذا لو نزل المقاطعون؟.. وماذا تعنى كتلة الرافضين بالضبط؟!.
المؤيدون يفتحون الطريق أمام القيادة السياسية.. يقولون له: تقدم يا ريس.. ويراهنون على أن وجوده في السلطة سينقل مصر نقلة نوعية.. والمؤشرات تؤكد ذلك.. فقد توافدوا بغزارة على اللجان، إما بدافع الوعى أو بدافع الخوف.. والمعارضون يدقون ناقوس الخطر، ويحذرون من تجاوز مدة الرئاسة تحت أي ظرف.. وأعداد الذين شاركوا بلا غير مسبوقة على الإطلاق!.
أفهم من هذا أن «مصر تغيرت».. الإشراف القضائى قدم تجربة رائعة.. وقدم استفتاء نزيهًا.. لم يتجاهل نسبة الذين قالوا لا.. إنها أعلى نسبة مشاركة لاستفتاء حدث في تاريخ مصر.. بلغت النسبة 44.33%، الأعداد غير مسبوقة.. «لا» أيضًا غير مسبوقة.. مارس الشعب حقه الدستورى كما أردنا.. قلنا شاركوا وقولوا ما شئتم.. أثبتت النتيجة «حيوية» هذا الشعب العظيم!.
ويشغلنى الآن ما بعد الاستفتاء.. (كتبت مقالًا قبل أسبوع بهذا العنوان).. شرحتُ ما يريده أبناء مصر من القيادة السياسية.. وتلقيت أيضًا رسالة من الأستاذ محمد أنور السادات.. يتساءل: ماذا بعد الاستفتاء؟.. يقول: هل من وقفة مع النفس بعد هذه النتيجة وتحليل الأرقام والنسب التي جاءت فيها بصدق وواقعية؟.. وبالتأكيد سيحدث تحليل علمى وأمنى لهذه النتيجة بلاشك!.
ولكننى أخشى أنه يشكك في نزاهة الاستفتاء، وأخشى أيضًا أنه يضيف المقاطعين للذين قالوا لا والذين أبطلوا أصواتهم.. وهى حسابات لم أسمع بها من قبل في أي نتيجة انتخابات أو استفتاء.. يقول: «دعونا نفترض أن الاستفتاء تم بكل نزاهة وشفافية».. معقول؟.. فهل كان يمكن أن تعلن أي جهة رسمية هذه الأرقام، لولا أن الدولة لم تتدخل، ولولا أن الاستفتاء كان نزيهًا!.
ومع هذا، أتفق معه طبعًا على أن الذين رفضوا التعديلات كانوا يدقون ناقوس الخطر.. وأنا معه أن هؤلاء يحتاجون لمن يستمع إليهم ويتفهم وجهات نظرهم.. وعلى القيادة السياسية أن تعيد حساباتها، وتحرر الإعلام، وتفتح الشبابيك للرأى والرأى الآخر.. وأن تفتح باب الحرية، وأن تطلق شباب المحبوسين.. وكلها أمور طالبت بها ولا أجد حرجًا في تجديد المطالبة!.
هذه هي معركة الوعى، التي نجحت فيها مصر، وأثبتت أن شعبها مازال حيًا بعد ثورتين.. وبالفعل كانت النتيجة مدهشة.. وكانت الحسابات كلها لا تعبر عن الواقع.. سواء بالنسبة للذين شاركوا بنعم أم لا.. ويبقى ما بعد الاستفتاء.. ويبقى أن نُغيّر «طريقة اللعب»، لأن الدنيا تغيرت!.