بقلم : محمد أمين
ما حدث فى ليبيا هو ما كان ينبغى أن يحدث.. فقد أعلنت حكومة الوفاق وقف إطلاق النار فى ليبيا، وقررت العودة إلى مائدة المفاوضات، واختارت الحل السلمى.. ولم تتجاوز تركيا خط الجفرة/ سرت، وهو ما أطلق عليه الرئيس السيسى «الخط الأحمر».. وقد يكون بداية لانسحاب المليشيات من ليبيا والعودة إلى تركيا!
وهى رسالة من مصر إلى السلطان الغشيم أردوغان.. وهى الرسالة التى لاحظتها كل وسائل الإعلام فى العالم.. عدا مصر المشغولة بقضايا التحرش والتيك توك والخناقات المحتدمة بين الأهلى والزمالك!
وقد تصدرت مانشيتات الصحف العربية والخليجية ردود الأفعال، حيال إعلان حكومة الوفاق وقف إطلاق النار فى ليبيا والعودة للحل السياسى، والتى رحبت بالقرار مشيدة بدور مصر الذى يقف بالمرصاد ضد عبث تركيا فى الأراضى الليبية والمنطقة العربية.. ويكاد ينتهى الأمر فى ليبيا دون حرب.. عندما أظهرت مصر العين الحمراء للسلطان التركى، وحددت له خطاً لا يمكن تجاوزه، فلم يتجاوزه فعلاً، وقال إننا لا نريد دخول حرب مع مصر!
وسبق وقلت إن نجاح مصر فى ليبيا يحل أزمة سد النهضة.. وكان البعض يتساءل: لماذا تحارب مصر فى ليبيا وتترك إثيوبيا؟.. وكان هدف هؤلاء أن تترك مصر ليبيا وشأنها، وتذهب إلى إثيوبيا حيث تريد الأخيرة قطع مياه النيل.. ولم يكن هدف هؤلاء نبيلاً.. ولم تستجب الدولة المصرية لهذا الكلام الذى كان ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب.. إن ترك تركيا يجعلها تلتهم ليبيا وتكون على حدود مصر.. أما الوقوف بحزم أمام العبث التركى فكان أولوية أولى لأنه يشبه لعب كرة البلياردو.. وضرب تركيا يجعل إثيوبيا تنتبه.. أما إذا انتصرت فى ليبيا فسوف تأكل المنطقة!
إن تدخل مصر لم يكن هدفه دخول الحرب ولكن تعديل المسار، ورسم خريطة أخرى للمنطقة.. وليس التعامل مع الخريطة المرسومة لها.. وكان السيسى على حق عندما ذهب إلى منطقة برانى العسكرية واستدعى زعماء القبائل الليبية وأرسل رسائله للعالم بوضوح.. فضرب عصفورين بحجر.. الأول فى ليبيا، والثانى فى شرق المتوسط، وتشجعت اليونان ورسمت فرنسا خط أحمر آخر لأردوغان فى شرق المتوسط.. وفوجئ أنه محاصر، فعاد من هنا وهناك، وهو أول درس من دروس الردع، دون دخول الحرب!
مصر لم تكن «تهوّش» على أردوغان، واستقبل أردوغان الرسالة، وعرف أن مصر لا تهوّش أبداً.. وعرف أن مصر سوف تصطاده فى ليبيا وشرق المتوسط، فآثر السلامة، وضغط على حكومة الوفاق لأن تعلن وقف إطلاق النار، بعدما كبده الجيش الليبى والطيران المجهول خسائر فادحة فى الأرواح والممتلكات!
وأخيراً نحن أمام نصر معنوى كبير، وباختصار فإن القوة التى ستعيد حكومة الوفاق إلى مائدة التفاوض والحل الدبلوماسى، هى نفسها التى ستعيد حكومة إثيوبيا إلى المفاوضات حول سد النهضة.. فلن تضيع ليبيا ولن يضيع النيل.. دون أن ندخل فى حرب!