بقلم : محمد أمين
أخيراً استيقظت بعض دول إفريقيا، وطالبت بضرورة تدخل مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة ضد التمييز العنصرى فى أمريكا.. ومعناه أن إفريقيا بدأت تصحو لتدافع عن قضيتها الأولى، منحازة إلى أبنائها من أصول إفريقية ضد موجات القتل والتمييز من وقت لآخر.. وهكذا تتحرك القارة السمراء لإثبات حقها فى الحياة، وها هى قارة مانديلا العظيم الذى قاد ثورة ضد العنصرية والظلم حتى انتصر، وخرج من السجن رئيساً للدولة وصار رمزاً للكفاح والصمود!
وكنت قد كتبت مقالين أعرب عن صدمتى لتحرك دول كبرى لمواجهة التمييز العنصرى، بينما الاتحاد الإفريقى لم يتحرك ولو ببيان.. ولو بتسجيل موقف.. ودعوت الاتحاد الإفريقى للتحرك، ودعوت مصر للكلام باسم القارة السمراء، وهو توقيت جيد من كل النواحى، وأيدنى فى ذلك الدكتور كمال أبوعقيل، عضو المجلس المصرى للشؤون الخارجية، وأنا لا أريدها ثورة جديدة على العنصرية، وإنما أريد أن نسجل مواقفنا من بلاد تحمى حقوق الحيوان، ولا تحمى حقوق الإنسان!
أكرر نحن لا نتحدث عن «مواجهات غشيمة»، ولكن أتحدث عن مناقشة حضارية حول حقوق الإنسان الإفريقى، وعن حقه فى التمثيل بمقعد دائم فى مجلس الأمن.. فليس معقولاً أن الدولة التى انتخبت أوباما رئيساً لها، لم تكن مؤمنة حتى الآن بحقوق الأقليات السمراء، ثم هى تدهسهم وتكسر أعناقهم فى مشهد لن تمحوه الأيام من ذاكرة التاريخ.. وسيظل التاريخ يسجل مقولة جورج فلويد تحت أقدام الشرطى الأمريكى وهو يصرخ «لا أستطيع التنفس»!
نحن أيضاً لا نصب الزيت على النار المشتعلة.. وأعتقد أن تأخير قادة إفريقيا فى طلب المناقشة حول العنصرية الآن، بعد هدوء الأجواء، كان من الحكمة بحيث لا يدخل فى إطار التسخين، وإنما الرغبة فى إقرار الحقوق أكثر، من المشاركة فى التظاهرات الاحتجاجية على مقتل «أمريكى» من أصول إفريقية!
الفكرة هى توثيق للحادث المأساوى فى ورقة عمل تحذر من تكرار ذلك مستقبلاً.. وتضع النقط فوق الحروف بالنسبة لدولة عظمى تهتم بالحريات والحقوق وتفرضها على العالم، لدرجة أنها تتدخل أحياناً لتغيير الأنظمة حال تعرض حقوق الإنسان للانتهاك، وترفع شعار حقوق الحيوان أيضاً.. فهل يعقل أن يكون حق الحيوان مقدما على حق الإنسان فى الحياة؟!
إن إفريقيا وهى تتحرك اليوم لا تدخل فى عداء مع أمريكا أبداً، ولكنها تذكر بحقها فى مواجهة أمريكا وغيرها من بلاد الغرب.. وأظن أن الاحتجاجات التى انفجرت فى الغرب وهدمت التماثيل وألقت بها فى الأنهار كانت لا تنسى مواقف مشابهة فى أوروبا وأمريكا، مما اضطر بريطانيا لرفع تماثيل بعض القادة التاريخيين ونقلها إلى المتاحف، حتى لا تستفز الأفارقة بأى شكل، وهى خطوة من الخطوات المهمة لإصلاح المعادلة!
وللأسف فقد تواكبت أحداث أمريكا مع اليوم العالمى لمقاومة التمييز العنصرى 24 مايو.. مما يعنى أننا نحتفل بأيام لا نعرف قيمتها، ونتعامل معها فى التليفزيونات فقط، دون أن نؤمن بها!