بقلم : محمد أمين
لم يعاتبنى أحد من محبيه ولا عشاقه ولا أبنائه ولا مريديه.. إنما عاتبنى ضميرى أن أتجاهل سلطان النغم وأعظم من لحن القصيدة.. أتحدث عن المبدع رياض السنباطى.. فقد كتبت فى مقال أمس «ثورة الشك» أن كاتب الكلمات هو الأمير الشهير، وأن من غنت القصيدة هى كوكب الشرق.. ونسيت الإشارة إلى من لحنها ونفخ فيها من روحه، فكانت ثورة الشك أغنية خالدة!
رياض السنباطى ليس من آحاد الملحنين حتى أنساه، أو لا أتوقف عنده بالتعظيم.. إنه السلطان فى زمن عزّ فيه السلاطين والأمراء والملوك.. فإن كان عندنا ملوك وأمراء فعندنا أيضًا سلاطين والسنباطى أولهم.. عاش للفن ومات فى حضرة الفن الأصيل.. واعتلى قمته السامقة.. إننى هنا أراجع نفسى دون أن يراجعنى أحد، كما حدث قبل هذا، من عشاق العالمى فريد الأطرش!
وإن كان يصح أن يتحدث أحد عن أغنية وينسبها إلى المطرب فقط، فلا يصح هذا من كاتب يقرؤه الناس.. لأنها محاولة اغتيال للكاتب والملحن معًا، وهما فى الغالب لا يقلان أهمية عن المطرب نفسه.. فإذا كانت أم كلثوم هى كوكب الشرق التى تختفى بجوارها سائر النجوم، فإن السنباطى قيمة وقامة فنية نادرة لا يجود الزمان بمثلها فى القريب المنظور.. ولا يمكن أن يختفى أبدًا!
فهل أكشف لكم عن سر؟.. لقد تنبهت للخطأ أمس وأصررت على المضى فيه، لأفرد مساحة كاملة للسنباطى.. وعلى أى حال فهذا اعتذار منى بذلك.. فالسنباطى مازال حيًا بألحانه العظيمة التى لا يقترب منها أحد.. فهو أول وآخر من لحّن القصائد الكبرى.. وأنت تستطيع أن تعرف اسم الملحن لأى قصيدة كلثومية دون أن يُكتب عليها.. فقد كان ذلك وقفًا على السنباطى وحده.. وهو ابن المنصورة التى جاءت منها كوكب الشرق وجاء منها كل الجمال، يملأ حياتنا فنًا وشعرًا وفلسفة ونثرًا!
وأظن أن المنصورة كانت تهدى لأبنائها أشياء لا يفوز بها غير أبنائها فى مجال الفن والغناء والثقافة.. وعبقرية الكتابة.. وقد كان أنيس منصور الكاتب الفيلسوف إذا كتب عن المنصورة، فكأنه فنان تشكيلى يجلس أمام «إلهة الجمال» ينحتها نحتًا.. بكل الشوق والعشق!
والمنصورة ليست غنية بجمالها الطبيعى فقط.. ولكنها غنية بجمال نسائها ورجالها أيضًا.. وهذا صديقى منير الغنام له قصة تُحكى.. فقد سافر وهو شاب مراهق إلى ألمانيا، فتعرّف على واحد من كبار رجال الأعمال هناك.. وكانت له ابنة وحيدة رائعة، رأت فى «منير» أنه شاب شرقى مختلف مكتمل الرجولة.. كان يعاملها مثل أخته الصغيرة.. ومرت السنون وذهب إلى هناك، كانت «ماريان» فى ريعان شبابها، فسحرها، وتزوجا فعشقت مصر وعاشت على ضفاف نهرها الخالد!
وأخيرًا أتساءل: ماذا فى المنصورة بالضبط لتعطى كل هذا الحب والعشق والفن؟.. وماذا فيها لتعطى كل هذا الجمال؟.. فيها الشعراء والأدباء والفلاسفة والحوريات.. فهل الفن يأتى تحت أقدام فتاة جميلة؟.. وهل الشعر يرتبط بجمال النساء؟.. فكيف بالفن والفلسفة والكتابة؟.. ذات يوم، كل نجوم الفن والأدب مروا من المنصورة!.