بقلم : محمد أمين
فى حالات الإحساس بالخطر فقط، يتجه المصريون إلى التمسك بشيئين فى حياتهم: الأول التمسك بالجيش، لأنه يحمى البلاد ويؤمّن العباد.. الثانى التمسك بالجهاز المصرفى لأنه يحمى الاقتصاد ويؤمّن لقمة العيش.. ولذلك كان من الأخبار العظيمة التى لم نتوقف عندها بالدراسة والتحليل خبر زيادة ودائع البنوك إلى 4 تريليونات جنيه لأول مرة فى تاريخ البنوك!.
فالمؤكد أن البنك المركزى لا يميل إلى الضجيج فى إعلان الأرقام الصادرة عنه، مهما كان حجمها وتأثيرها، إلا أن هذا الرقم بالذات كان يحتاج إلى مؤتمر صحفى يشرح المعانى والدلالات.. كما يشرح اتجاهات الناس مؤخرًا للتعامل مع الجهاز المصرفى.. فلم ينتظروا طوابير أمام البنوك لسحب قيمة شهادات قناة السويس كما وقفوا قبل سنوات تلبية لدعوة الرئيس!.
وأعتقد أن المرة الوحيدة التى سجلت فيها عدسات المصورين وكاميرات الفضائيات طوابير أمام البنوك كانت عند إيداع 64 مليار جنيه فى أسبوع.. وهى من الرسائل الوطنية التى سوف تسجلها الذاكرة وتقارير البنك المركزى للتاريخ.. والجديد أن الودائع قفزت بشكل كبير للغاية، وبحسب التقرير، فقد ارتفعت الودائع بنهاية شهر يونيو حوالى 95 مليار جنيه!.
ويمكنك أن تلاحظ فعلًا أن الزيادة كانت بنهاية يونيو، أى قبل الاستحقاق الخاص بشهادات قناة السويس.. وبالتالى فلا علاقة لدخول ودائع جديدة مرتبطة بها أبدًا، خصوصًا أن الاستحقاق كان مع بداية شهر سبتمبر الحالى، وفى الخامس منه بالتحديد.. وهو رد بليغ على الذين روّجوا شائعات بشأن عائدات القناة واستحواذ الدولة عليها لوضعها فى «أوعية جديدة»!.
وأظن أن ربع هذا الرقم الضخم قد تحقق بعد الإجراءات التى اتخذها البنك المركزى فى نوفمبر 2016، أى أنه أدخل تريليون جنيه فى سنوات محدودة.. ويمكنك أن تضيف أيضًا تفسيرات لهذا الرقم التاريخى، لأنها ارتبطت بزيادة سعر الفائدة على الودائع، كما أنها تعود إلى قوة الاقتصاد وزيادة حجم الاحتياطى الأجنبى إلى 45 مليار دولار، مما أعطى ثقة بلا حدود!.
معناه أن هناك عوامل كثيرة دفعت الناس للتعامل مع البنوك والخروج من تحت البلاطة.. منها فكرة الشمول المالى، وأنه لا تعامل بالنقد، وبالتالى لابد من وضع الأموال فى حسابات مصرفية.. أيضًا رفع معدل الفائدة، ولهذا السبب انتقلت الفلوس إلى الجهاز المصرفى من تحت البلاطة، وتشجع الناس على وضع الأموال فى أوعية ادخارية تدر عائدًا لمواجهة التضخم!.
باختصار، هذا الرقم يحمل فى طياته إشارات واضحة.. بعضها للدولة، وبعضها للجهاز المصرفى، وبعضها للمستثمرين.. فهو يؤكد متانة الاقتصاد، وثقة المواطن فى البنوك، ويعكس القدرة على استخراج الأموال من تحت البلاطة.. ولكنى أرجو ألا تستخدم الحكومة هذه الإشارات ضد المواطنين!.