بقلم : محمد أمين
لم نتعامل مع شهداء الجيش الأبيض كما نتعامل مع شهداء الوطن الأخرين.. إلا عندما صنعنا لهم الأغانى فقط.. ولكن لم نتعامل معهم ماليًا لحماية أسرهم من بعدهم.. فقدنا أطباء وفقدنا هيئة تمريض وذهبوا جميعًا بكبرياء شديد، ولم نشعر بالغبن إلا من رسالة الممرضة بمعهد القلب هدى صلاح.. التى أبكت الجميع، وتناقلت وسائل الإعلام رسالتها المؤثرة وهى تعتذر لولديها وتعتذر لأبيها وأمها أنها لم تنجح أن تساعدهم فى حياتها وتتمنى أن يتولاهم الله بعدها!
تخيلوا هذه الممرضة التى كانت تقف فى الصف الأول دفاعًا عن المصريين ضد فيروس كورونا، كانت تحمل فى نفسها همومًا فوق طاقتها.. وسجلت كل ذلك فى رسالتها الباكية التى مزقت القلوب.. تقول هدى: سامحنى يا سيف يا ابنى، كان نفسى أدخلك المدرسة وأجيبلك اللبس زى إخواتك!.. سبقها إلى العالم الآخر نائب العميد، وسبقها استشارى القلب بالمعهد.. ولكنها هى من سجلت لنا مواجعها، ربما لأنها أنثى، وربما لأنها أم قليلة الحيلة.. هى أول ممرضة يتوفاها الله فى المعهد بسبب وباء كورونا.. أدركت أنها أمام فرصة أخيرة فسجلت وصيتها!
ومن آخر كلماتها على جروب الواتس آب المخصص لأطباء وتمريض معهد القلب: «أنا فى رعاية العزل على جهاز التنفس ومبسوطة إن التليفون دخل لى وشكرًا لكل من ساعد فى دخوله وأنا فى حالتى دى علشان أعرف أشكركم جميعًا، راضية بقضاء الله، رغم إنى سمعت فى مرور النهارده إنى عايشة فقط على 7% من الرئة، والحمدلله»!
وتقول: «يمكن معرفش أكتب تانى، وأشوفكم تانى علشان أشكركم، بس الحمدلله، سامحونى لو مش بعرف أرد عليكم علشان أنا على جهاز التنفس.. سامحنى يا سيف يا ابنى، ابنى الصغير أول سنة يدخل المدرسة، كان نفسى أجيبلك اللبس زى إخواتك مش مهم لبس العيد.. ما كده كده مش كل عيد بنجيب لبس، علشان الظروف يا ابنى، لكن المدرسة معلش لو مقدرتش والموت خدنى منك، سامحنى يا يوسف، ابنى الكبير خامسة ابتدائى، لو مقدرتش المره دى كمان مفيش كورة ولا نادى، كان نفسه يطلع دكتور»!
ولم تنس أن تودع أباها وأمها وتقول: «معلش يا أبى ويا أمى، أنا الكبيرة بس غصب عنى، أكيد ربنا موجود معاكم من بعدى شكرًا لكم».. وبنفس راضية ودّعت الدنيا الفانية ولم تقنط ولم تشكُ من أحد أو من إهمال المنظومة الطبية لها.. ولم تطلب إلا الاهتمام بابنيها فقط فى التعليم، وهو حق لأى مواطن، فما بالك أن يكون بطلًا وشهيدًا؟!
باختصار، هذه دعوة لتكريم اسم الشهيدة هدى صلاح ورعاية ابنيها سيف ويوسف ماديًا حتى إتمام مشوار التعليم.. وهذه رسالة إلى وزيرة التضامن لحماية أسرتها ورعايتها.. فهى عائلة نموذج لعائلاتنا البسيطة التى تفخر بكبريائها وعزة نفسها ولا تمد يدها.. على الأقل احموها حتى لا تمد يدها!.