بقلم : محمد أمين
أصعب سؤال على النفس يمكن أن يستقبله أب من أولاده وهو خارج في الصباح: هترجع امتى يا بابا؟.. والسؤال يتكرر هذه الأيام كثيراً من أبناء يسألون آباءهم في الجيش والشرطة والمستشفيات.. وهو السؤال الذي يمزق القلوب.. أقصد هنا الأطباء أكثر، فهم الذين يخرجون في الصباح ولا يعرفون إن كانوا سيعودون أم لا؟.. إن كانوا سيدخلون المستشفى كمرضى أم كأطباء؟.. إن كانوا سيعودون محملين بالفيروس لبيوتهم أم لا؟.. ولذلك فإن الأطباء في هذا الوباء أكثر الذين يريدون أن ينتهى المرض بسرعة وتعود الحياة الطبيعية!
أصدقاء كثيرون أطباء يطالبون الناس بالبقاء في بيوتهم. فهم خط الدفاع الأول، وهم أول من يتعرض للمرض.. وهم أول من يبقى طويلاً في حالة طوارئ.. كونوا مكان هؤلاء الأبطال.. كونوا مكان أبنائهم: ابقوا في منازلكم من أجل الأطقم الطبية.. ساعدوهم على الصمود.. هل سألك ابنك من قبل: هترجع امتى يا بابا؟.. ولو سألك ماذا تفعل؟.. هل تخرج أم تبقى إلى جواره؟.. للأسف هو لا يستطيع أن يبقى إلى جواره، لأنه مثل ضابط الجيش والشرطة عنده خدمة!.
ضابط الجيش لم يتعود الهروب من الخدمة وضابط الشرطة أيضاً.. مثلهما الآن الطبيب، لا يستطيع الهروب من الخدمة.. فقد ذهبوا إلى الخدمة الطبية بلا وسائل حماية ولا أسلحة مقاومة في البداية، حتى وصل إليهم المدد ولم يتأخروا.. بعضهم اشترى من ماله الخاص أدوات حماية، ولم يتردد في الدفاع عن الناس من فيروس كورونا.. ساعدوهم الآن على المقاومة، فهم يتحملون المسؤولية مهما كانت الصعوبات لمنع انتشار الفيروس والحفاظ على صحة الجميع!.
التقارير الصحفية القادمة من مستشفيات العزل، تقول إن الأطباء لا يخافون من الفيروس.. ولكنهم يخافون على أبنائهم من الإصابة.. بعضهم لا يرى أسرته منذ فترة طويلة ويشعر بالحرمان.. وهو يفعل ذلك خشية أن يكون اللقاء خطرا على أسرته.. هؤلاء الأطباء في حالة نفسية سيئة ينبغى أن تؤخذ في الاعتبار، بعضهم أرسل زوجته إلى أسرتها في محافظة أخرى خوفاً عليها هي والأبناء.. حتى يتفرغ لعلاج المرضى وهو مطمئن!.
وبالتأكيد في كل مستشفى هناك بطولة تحكى وتسجل للتاريخ.. حتى في المستشفيات التي ليست مخصصة للعزل، أظهر الأطباء نبلاً غير مسبوق، ورأينا من يساعد المرضى بكل جدية للتخفيف عنهم من الأمراض المزمنة.. خاصة أن أصحاب الأمراض المزمنة من أكثر الحالات المعرضة للإصابة بفيروس كورونا.. وهم يعملون جميعاً في ظروف صعبة للغاية!.
ولا أقصد الأطباء وحدهم بالطبع، إنما أقصد هيئة التمريض أيضاً.. والأمل الآن في إجازة العيد.. واستمرار الحظر حتى يتم القضاء على الفيروس، وتصبح الإصابات عند أدنى معدل لها.. فقد كانت تجربة مصر في بدايتها ملهمة.. فهل تظل تحافظ على إلهامها؟!.
*