بقلم : محمد أمين
لم يكن من الممكن أن أكتب عن الأستاذ عباس الطرابيلى يومًا واحدًا.. فلا يمكن لعمود صحفى ليوم واحد ان يحيط برجل له تاريخ.. إنما كانت محاولة للرثاء وتذكير الناس به، فالناس لا تنشغل بالحضور، ولا تعطيهم أقدارهم.. وبالتالى فإن الذين عايشوا الراحلين أقدر على النفاذ إلى الشخصية من غيرهم، وقد يضعون أيديهم على بعض النقاط المهمة فى مشوارهم.. وأظن أن التركيز على مدرسة الوفد كان أهم عند «الطرابيلى» من الكلام عنه.. وهى المدرسة التى اشتغلنا فيها وعملنا بها، وكانت امتدادًا لمدرسة أخبار اليوم!
ومن حسن حظى أن بدأت فى الوفد محررًا ورئيسًا لقسم الأخبار ومديرًا للتحرير، حتى انضممت إلى منتخب كتاب مصر فى «المصرى اليوم»، وهى على خطى أخبار اليوم أيضًا.. وتتميز بالصنعة والفكرة والمعالجة المحببة إلى نفس الجمهور.. وكان الأستاذ «الطرابيلى» قريبًا من الصحفيين، لأنه يحكى عن مغامراته، قينقل لهم خبراته.. وكان ينقل لهم بطيبة قلب ما جرى له فى بداياته فى أخبار اليوم، فى العمل والسكن.. فكنا نرى أنفسنا فيه.. نفس المعاناة.. وكان يفرز من يصلح ومن لا يصلح، ويترجم هذا التقييم إلى فلوس.. سواء فى المرتب أو المكافآت!
وأود الإشارة إلى أن المدرسة كان فيها المدير والناظر والوكيلان، وكان مصطفى شردى اسمًا جديدًا فى الصحافة المصرية لكنه كان وطنيًا وعبقريًا، إذا كتب يصدقه الناس ويشترون الجريدة لأجله.. ولم يكن جمال بدوى بأقل منه.. فقد كان يكتب من التاريخ ما يمكنه من الإسقاط على الواقع الذى عاش فيه، وأخص كتاباته عن «نكبة البرامكة».. ولكن المقال الذى عرضه للأذى والضرب فى صلاح سالم كان مقال «صدقت امرأة وأخطأ عمر».. ولم يتحمل النظام وتولى المواطنون الشرفاء تأديبه بالضرب والركل!
ونجحت مدرسة الوفد فى تحريك المياه الراكدة، من صحافة تابعة ومؤممة إلى صحافة مواطن تنحاز إليه وتكتب له وتعبر عنه.. واخترع سعيد عبدالخالق فكرة «العصفورة» لينشر من خلالها ما لا يستطيع كتابته بشكل إخبارى.. وأصبحت كل المعلومات المتاحة صالحة للنشر فى «العصفورة» بدون أسماء ولكن برموز وإشارات!
وسمحت مدرسة الوفد بظهور نجوم إلى جوار الكوكبة التى أنشاتها مع شردى وبدوى والطرابيلى وسعيد عبدالخالق فكان الراحل مجدى مهنا الذى غير طريقة الكتابة الصحفية، فأشرف على قسم التحقيقات وخاض المعارك ضد الفساد، ومعه كتيبة من الزملاء الذين لمعوا فيما بعد وحصدوا الجوائز، منهم سيد عبدالعاطى!
وكانت آخر معاركه معركته ضد تصدير الغاز لإسرائيل المعروفة بقضية ميدور، التى كتبت سطر النهاية فى عمله بالوفد، وبدأ تأسيس «المصرى اليوم» بدعم كبير من المهندس صلاح دياب، الذى كان مولعًا بتجربة الوفد وكتابها، واختار أنور الهوارى فيما بعد رئيسًا للتحرير!
ونجحت الوفد فى كسر الاحتكار، لأنها اعتمدت على معيار الكفاءة والتفوق، فكانت أول من ذكَّر بصحافة المواطن بعد غياب طويل.. ولسه الأغانى ممكنة.. رحم الله الراحل الكريم، الذى قلّب علينا المواجع!