بقلم : محمد آمين
الفائز الوحيد فى ماراثون رمضان هو وكالات الإعلانات.. فقد فرضت الإعلانات مزاجاً عاماً على الرأى العام.. ملأت إعلانات الكومباوندات كل مكان.. وفرضت ثقافة لا يستطيعها أغلب سكان مصر.. ورأينا نموذجين للحياة، خاصة الكومباوند وحياة الغلابة المترددين على مستشفيات القلب والسرطان.. فى كل الأحوال وكالات الإعلانات لم تخسر شيئاً، ولكنها كسبت هنا وكسبت هنا.. كسبت وهى تسوق للكومباوندات، وكسبت وهى تروج للمستشفيات الخاصة.. وهى بزنس كبير جداً لأصحابها والداعين إليها أولاً وأخيراً!
ليس الفائز فى رمضان من صلى وصام وقام فقط.. ولكن الفائز من فاز بجائزة اغلب السقا، أو من حجز شقة فى كومباوند، أو أصبح من سكان مدينتى.. الفائز من أصبح من عالم ما قبل الكارتة، وليس من عالم ما وراء الكارتة.. فقد حدث جدال فى الأيام الماضية على كارتة طريق السويس.. هل يصح أن تكون قبل الأحياء السكنية أم على الطريق السريع؟.. ولم يرد أى مسؤول على الذين تركوا القاهرة بكل ما فيها ليسكنوا فى صحراء شرق القاهرة!
كانت وكالات الإعلانات تزين الشىء ونقيضه فى رمضان، وضاعت الدراما الرمضانية فى البحث عن إجابات خلال الفترات الإعلانية، التى طالت حتى أفسدت الدراما، فوكالات الإعلانات أصبحت تفرض الموضوع وتفرض النجوم أيضاً.. ورأينا الإنتاج الفنى لصالح نجمات وزوجات المشاهير من يملكون إنتاج الدراما!
خلاصة الأمر أنك بين فئتين، الأولى فى السماء تملك كل شىء ويمكن أن تشترى اى شىء.. والثانية فى الحضيض تمزق القلوب وتبحث عن علاج القلب أو السرطان، وتتسول العلاج المجانى لضيق ذات اليد.. لا توجد طبقة متوسطة.. انهارت الطبقة المتوسطة التى كانت تحصن المجتمع.. وأظن أن الإعلانات كانت كاشفة لحال المجتمع أكثر من الدراما.. فى فترة سابقة كانت الدراما تتعامل مع واقع العشوائيات وتنقله إلى التليفزيون، وكانت واحدة من مقدمات ثورة 25 يناير!
بعض الشركات استشعرت الفارق الكبير فى الحياة، فأوقفت إعلانها حرصاً على المجتمع، بعد أن كان مثار حديث الملايين وانتقادهم على وسائل التواصل الاجتماعى، وغيرت نظام الإعلان لتتكلم عن الأرقام والمعلومات، وليس الفوارق الطبقية التى كان يعددها الإعلان الأول بكل صراحة ووضوح.. فمازال الرأى العام يشعر بحساسية شديدة تجاه الفوارق الطبقية، وفى كل الأحوال وكالات الإعلانات تكسب وهى تعلن وتكسب وهى تصحح الصورة!
وباختصار، فقد فاز فى رمضان منتجو الدراما ووكالات الإعلانات.. والمستهلكون ينتظرون هذا وذاك بشغف وسخرية كأنه نوع من الانتقام الطبقى فى الحالتين، وهو أقصى ما يملكونه «سلاح النقد والسخرية»!
وأخيراً فقد عرفنا مصر من إعلانات رمضان.. كثيرون كانوا لا يعرفون شكل الخريطة ولا يعرفون مكان الكومباوندات ولم يزوروها، فكيف لو زاروها فى الواقع؟.. عرفنا مصر التى فى العاشر ومصر التى فى الأرضى.. عرفنا أن مصر فيها كل شىء، ولكن لمن يملكون فقط!