بقلم : محمد أمين
كانت الصحف قبل عصر الإنترنت تستعد لشهر رمضان بصحفتين على الأقل، إن لم يكن أربع صفحات، وكانت ومازالت تعتبر شهر رمضان شهر قراءة، فتقدم المسابقات والفوازير، وتطلب من قسم الإعلانات تمويل هدايا الشهر عن طريق العملاء الذين يرأسون شركات إنتاج السلع الرمضانية، وكلفنى رئيس التحرير الأستاذ جمال بدوى بأن أقدم الصفحات الرمضانية، وهى المرة الأولى التى أنتقل فيها من العمل بقطاع الأخبار للعمل بالصفحات المتخصصة. يومها استدعانى إلى الاجتماع وكنت لا أعرف لماذا استدعانى، وفوجئت أنه يكلفنى برئاسة الصفحات الدينية لهذا العام منتصف التسعينيات.. وقال: أثق أنك ستؤديها بطريقة رائعة. وقدم لى بعض المراجع المعاونة.. وكنت أؤمن أن الصحفى يمكن أن يعمل فى أى قطاع مادام يمارس ذلك بمهنية.. ووافقت كأننى فى حالة تحدٍّ مع النفس أولاً!.
كان أمامى أسبوعان حتى أقدم هذه الصفحات، وهى بالمناسبة صفحات مبيتة، يتم تقديمها مساء كل يوم لتدخل التنفيذ وتكون جاهزة فى صباح اليوم التالى، بالإعلانات والمسابقة اليومية.. ووضعت خطة العمل وطلبت من المخرج (سكرتير التحرير) أن يجهز لى ماكيتاً للملحق.. اخترناه معاً بشكل ديمقراطى!.
بدأت أقدم الصفحات كل يوم حتى ظهرت ملامحها بعد أسبوع.. وجاءنى الأستاذ جمال بدوى ليؤكد من جديد أنه كان على حق فى اختيارى، مع أننى لم أعمل ذلك من قبل وكنت أشتغل فى الأخبار.. وشكرته وطلبت منه قياس رد الفعل.. فقال إن الأزهر يتابع هذه الصفحات ومفتى الجمهورية ووزارة الأوقاف.. وكنت أقدم قصص الأنبياء، كل يوم قصة من وحى كتاب الدكتور محمد سيد طنطاوى الذى كان مفتى الجمهورية قبل أن يكون «شيخ الأزهر»!.
المهم أننى كتبت قصص الأنبياء بطريقة عصرية، أربط فيها بين التاريخ والحياة المعاصرة، وأقدم الأمثلة المصرية فى طريقة الحكى، فارتبط بها القراء وكانوا ينتظرونها.. كان واضحاً أن الذى يكتب القصص ليس من الأزهر، ولا هو درويش من الدراويش، وإنما يكتبها بروح كاتب يفكر ويعرف احتياجات الناس.. ومن أهم القصص التى عالجتها قصة سيدنا يوسف، وقصة الصراع بين الأشقاء من جهة وبين امرأة العزيز من جهة.. وتركت لنفسى حرية التفكير، فلم يمنعنى الكاتب الراحل جمال بدوى وشجعنى على ذلك فكراً ولغة!.
وحاول الراحل الكريم أن يثبت أن الصحفى يستطيع أن يعمل فى أى مجال بمهنية ملتزماً بالمعايير الصحفية.. ورشحنى بعدها لعمل صفحة اجتماعية، وتوالت الصفحات المتخصصة.. فتخلصت من لغة الأرقام وكتابة الأخبار وتحريرها، واعتمدت على الجملة الوصفية فكتبت بعدها المقالات!. المهم أن يكون رئيس التحرير «أشبه بالكوتش» الذى يعرف الاستفادة باللاعبين المميزين، ويؤمن بطاقاتهم.. وليس الرجل الذى يقيد كل فكر وإبداع، لأنه يمارس فقط دور الرقيب