بقلم : محمد أمين
لم أسجل اسمى فى قائمة الذين انتقدوا العاصمة الإدارية الجديدة، بل كنتُ مُمْتَنًّا، وأيدتها منذ أول لحظة.. كتبت مقالات منذ سنوات عن ضرورة «تفريغ القاهرة»، وجاء الرئيس السيسى، فوجدت أنه الأقدر على اتخاذ القرار لما يتمتع به من شعبية جارفة.. كان هناك مَن يرى أن العاصمة نكبة، وكان هناك مَن يرى أنها تعبر عن «فكر ديكتاتورى»، وليس عن فكر ديمقراطى!.
هؤلاء كانوا يتصورون أن الرئيس انفرد بالقرار، مع أنه ينفذ دراسات قديمة لم يجرؤ عليها غيره.. ومازلت أقول إن الرئيس لو تأخر عامًا آخر لما كنا استطعنا أن نعيش فى القاهرة.. ولولا أنه يتمتع بإرادة فولاذية لما كنا سننتقل إليها فى 2020.. مناسبة هذا الكلام ما قرأته عن قرار الرئيس الإندونيسى بانتقال العاصمة «جاكرتا» إلى مكان جديد بتكلفة 33 مليار دولار!.
هناك بلاد كثيرة غيرت عواصمها القديمة.. وأنشأت عاصمة من الصفر، لتنتقل إليها سياسيًا.. مصر نفسها غيرت العاصمة عدة مرات فى تاريخها.. من أون إلى منف إلى طيبة إلى الإسكندرية.. ومن الدول التى غيرت عواصمها نيجيريا وروسيا وساحل العاج والبرازيل وكازاخستان وميانمار وتنزانيا.. مصر أيضًا كانت فى حاجة إلى هذا الانتقال من الفوضى إلى الحداثة!.
فلم يكن مقبولًا أن تنتظر مصر حتى يكون سكان القاهرة 20 مليونًا.. ولو أن الرئيس أجرى استطلاع رأى بشأن الانتقال، أو أحال الأمر إلى «الحوار المجتمعى» لما كنا بدأنا فى وضع طوبة.. إندونيسيا لم تنتظر حتى تعوم فوق بركة ماء.. المكان الجديد وسط إندونيسيا بعيد عن أى تسونامى.. اختيار العواصم له ضوابط وقواعد محددة، ولا تنقطع صلته بالعاصمة القديمة!.
ومن مزايا الموقع الجديد لعاصمة إندونيسيا أولًا أنه ليس مُعرَّضًا كثيرًا للكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والهزات الأرضية وموجات تسونامى وثوران البراكين، علمًا بأن جزءًا كبيرًا من الأرخبيل الإندونيسى يقع على حزام نار المحيط الهادئ.. كما أنه موقع استراتيجى فى وسط البلاد.. أنقل هذا لتعرف أن القيادة المصرية تصرفت بسرعة لإنقاذ البلاد من الفوضى!.
وطبعًا هناك نقطة أخرى تتعلق باستقلال القرار، وهى أن إندونيسيا «منذ أن أصبحت مستقلة، لم تختر أبدًا عاصمتها».. كما أن اختيار الموقع الجديد هدفه إحداث التنمية فى الأرخبيل الإندونيسى.. وما يقولونه صورة بالكربون مما سبقنا وفعلناه.. الهدف هو إحداث التنمية الاقتصادية فى منطقة إقليم قناة السويس، والانتقال «شرقًا»، وهى مسألة تتعلق بالأمن القومى أيضًا!.
ولم يفت الرئيس الإندونيسى أن يطرح الأمر على البرلمان لإقرار نقل العاصمة.. الأمر الثانى أنه لن يتخلى عن «جاكرتا» ليتركها مدينة أشباح، وإنما ستكون عاصمة اقتصادية ومالية وتاريخية.. وهو ما نفعله هنا بالضبط.. وأظن أن الدولة تتحرك من الآن لإعادة غسل وجه القاهرة!.