بقلم : محمد أمين
هل غضبت إثيوبيا من الذهاب إلى مجلس الأمن؟. الإجابة نعم.. أولًا لأن الذهاب لمجلس الأمن ليس جولة أخرى من المفاوضات، وثانيًا لأن مجلس الأمن قراراته ملزمة.. وسوف يكون هناك احتمال من ثلاثة: إما العودة للتفاوض من جديد، وإما العقوبات وإما التصرف عسكريًّا لوقف الإجراءات.. ومصر لا تريد غير الاتفاق على تشغيل وملء السد بالتفاهم.. كما أنها لا تفرح بالتدخل العسكرى، ولا حتى بالتظاهرات التى جرت فى إثيوبيا لأسباب داخلية، لا علاقة لها بالسد أبدًا!
وقد كنا سعداء قبل جلسة مجلس الأمن، وما أبداه المفاوض الإثيوبى من تفاهم، وكلامه عن وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق من جانب الدول الثلاث.. وكلامه أيضًا أنه لا ملء ولا تشغيل للسد قبل التفاهم.. واليوم تعود المفاوضات من جديد برعاية جنوب إفريقيا فى ظل الاتحاد الإفريقى.. وأنا فى الحقيقة أعوِّل عليه شيئًا كثيرًا.. وأتفاءل بوجود كينيا والكونغو، فى جلسة المفاوضات.. وأثق بأن الاتحاد الإفريقى قادر على حل المعضلة فى البيت الإفريقى، وليس هناك حاجة لمجلس الأمن!
وأظن أن مصر تستطيع أن تستعين بقاعدة بيانات مؤتمرات الشباب التى عقدتها وضمت شبابًا فاعلين ونافذين فى إفريقيا، ويمكن أن تشرح ذلك لهم، ومدى أهمية نهر النيل بالنسبة للحياة فى مصر، وما يمثله النهر كشريان حياة وليس كمصدر لتوليد الكهرباء.. فمن الممكن توليد الكهرباء المطلوبة بسد أقل تحكمًا، أو عبر طاقة الشمس، التى لا يوجد مثيل لها إلا فى إفريقيا!
طبعًا لدينا حقوق تاريخية، وهذا صحيح بالاتفاقيات ونظرية الحقوق المكتسبة والاتفاقيات المنظمة للأنهار.. ولكن لا بد أن نشرح قضيتنا للعالم.. لأن إثيوبيا تصدّر القضية على أنها قضية تنمية فى مواجهة استغلال أو تهديد بالقوة.. ومصر تصدّر الأمر باعتباره قضية حياة لا تعترض على التنمية.. وأعتقد أن الأفارقة يعرفون ذلك دون شرح.. كينيا تعرف القصة وأوغندا وغيرهما.. وكان فى مقدور مصر طرح القضية على الأقل خلال عام رئاستها للاتحاد الإفريقى.. وهو ليس استغلال نفوذ أبدًا.. ولكنها لم تفعل!
وباختصار إذا عدنا للتفاوض وتم الاتفاق انتهى الأمر.. ويمكن أن نساعد إثيوبيا فى عمليات التنمية ونستفيد من الأزمة فى تشجيع التفاهمات، وزيادة الاستثمارات بنوايا حسنة وحماية مصالحنا فى إثيوبيا.. وأظن أن كثيرين شاهدوا خطبة نتنياهو فى مجلس النواب الإثيوبى، ورأوا كيف كان يتكلم عن الشراكة والزراعة والاستثمار، ودعم التعاون المشترك!
وأخيرًا فإن الناس تعرف لغة المصالح ولا تعرف لغة العواطف.. وأعتقد أن مصالحنا فى إفريقيا، وليس فى أى قارة أخرى مهما كانت علاقاتنا بها.. وقضية السد قضية كاشفة.. وقِس هذا على الصين وأمريكا وغيرهما، وما شئت من كل بلدان العالم.. وحتمًا ستعرف الحقيقة على الفور!