بقلم : محمد أمين
لست من الذين يصفقون لقرارات الحكومة مهما كانت.. فلا نشأتى تسمح بذلك ولا تكوينى المهنى والصحفى.. فقد عشتُ أعارض الحكومات على مدى ربع قرن.. ولكنى اليوم سأصفق لقرار الحكومة بوقف البناء فى أحياء كاملة بالقاهرة والجيزة وعدد من المحافظات.. ليس لرغبتى فى التصفيق ولو مرة واحدة.. ولكن لأن هناك أحياء تحولت إلى بؤرة سرطانية، والعلاج هو وقف البناء فيها كعواصم قديمة، حتى يتنفس الناس أولاً!
وبالتأكيد فإن الحكومة قد وضعت فى اعتبارها مسائل كثيرة، منها توفير السكن للمحتاجين.. ولهؤلاء فقد قررت أن تبنى لهم فى المناطق الجديدة بتخطيط مسبق يحافظ على الشكل الجمالى والمعمارى والمساحات الخضراء.. كما أن إصلاح العشوائيات الموجودة يكلف الدولة مئات المليارات.. وقد رأينا المحاور التى أنشاتها الحكومة لتسهيل الحياة وتتكلف 15 مليار جنيه، وقال رئيس الوزراء إن البناء فى هذه المناطق كان يجب ألا يتجاوز خمسة طوابق فإذا هى 15 دوراً، مما يشكل عبئاً على المرافق ويكلف الدولة مئات المليارات لإصلاحها!
وللأسف فقد تحولت شوارعنا فى القاهرة القديمة إلى جراجات مفتوحة، وهى ظاهرة غير موجودة فى أى دولة فى العالم.. والسبب أننا نراعى الخواطر ونسمح بالبناء بحجة أنها تساعد فى تخفيف الأزمة.. ونتراخى فى تنفيذ الضوابط، فتكون النتيجة ألا تكون لدينا شوارع تسمح بالمرور.. ولا تكون لدينا مرافق لخدمة المواطنين.. وقد قرر الدكتور مدبولى إيقاف البناء فى القاهرة الكبرى 6 أشهر، لتحقيق هدف السيولة المرورية وتوفير الخدمات.. وهى أهداف تساعد على جودة الحياة!
وأرجو أن يكون فى اعتباره إخلاء بعض المساحات، وتحويلها إلى حدائق عامة لتخفيف الاختناق فى القاهرة الكبرى.. وأتعشم أن تكون القاهرة لها مساحة فى ذهن الحكومة عندما تنتقل إلى العاصمة الإدارية الجديدة، وأن يكون بعض هذا الاهتمام يتعلق بتحويل بعض أبنية الوزارات إلى رئة يتنفس منها السكان فى المناطق المجاورة!
من المعلوم أن بعض الأبنية ليست أثرية ولا تراثية، لكنها أبنية عادية جداً، وربما ليست لها قيمة معمارية.. ولا مانع أن تصبح مساحات خضراء.. أما الأبنية التراثية والأثرية فلتكن متاحف مثل مجلس النواب ومجلس الوزراء.. بحيث نحافظ على حياة الناس، ونحافظ، فى الوقت نفسه، على الثروة العقارية المصرية وقيمة الأبنية التراثية، التى لا تقدر بثمن!
إن أهم ما يميز هذه الحكومة أنها تستمد طاقتها من ثقة الناس فى الرئيس، وأنه حين يتخذ قراراً ينفذه بكل حسم.. وبالتالى فأنا أشعر بأن هذه الحكومة سوف تعمل على تغيير شكل القاهرة الكبرى فى السنوات القادمة.
وأخيراً لا يعنى مغادرة الحكومة إلى العاصمة الإدارية أنها ستترك القاهرة لمصير مظلم أبداً.. وقد تعهد الرئيس فى وقت سابق بهذا المعنى.. وقال: «لا يعنى أن نذهب إلى العاصمة أن نجمع خلجاتنا ونمضى».. وقد كانت جملة تبعث على الأمل أنه لن يترك القاهرة للضياع أبداً.. ما يعنى أننا سنعرف مدينة غير القاهرة فى المستقبل