بقلم : محمد أمين
عندما احترقت كنيسة نوتردام باريس، فزع العالم كله لنجدتها، وانهالت التبرعات من كل الدول لترميمها، قبل أن يقدموا العزاء للرئيس الفرنسى.. فلماذا حالة الصمت عندما احترقت مارجرجس حلوان، وهى نفسها شقيقة نوتردام باريس.. الأولى كانت حديث العالم كله، وتابعتها المحطات الفضائية.. والثانية لا عرفنا بها ولا علمنا، إلا من خبر فقط في صفحة الحوادث!.
فمن الذي صنع هذا الفارق في الحالتين؟.. ومن الذي فرض طريقة التعامل؟.. فرنسا حين تعاملت مع كنيستها بحزن أبكت العالم، وحركت كل رجال الأعمال للتطوع والتبرع، ونحن حين تعاملنا باستهانة مع كنيسة تاريخية، لا تقل عن نوتردام باريس، لم يشعر بنا أحد.. لا المجتمع المصرى، ولا المجتمع الدولى، ولا اليونسكو، ولا حتى وزارة الآثار المصرية!.
هل لأن مارجرجس تقع في حلوان، وليس باريس؟.. هل لأن عندنا كنائس كثيرة مثلاً؟.. لماذا لم يسمع بنا العالم المتقدم؟.. لماذا لم تقف الكنيسة على أطراف أصابعها؟.. هل بكاها المصريون كما بكى الفرنسيون والعالم «نوتردام؟».. هل القصة أن كنيسة احترقت وعندنا عشرات غيرها؟.. هل القصة كلها أنه لا توجد خسائر في الأرواح، وبالتالى لا توجد مشكلة!.
كان الخبر مكتوباً باعتباره من الحوادث اليومية.. حريق في كنيسة مارجرجس، ولا خسائر في الأرواح.. ومفهوم طبعاً أن مدير الأمن تلقى معلومات باندلاع حريق هائل في الكنيسة، وانتقل فريق بحث قاده فلان وعلان، وتم الدفع بوحدات إطفاء للسيطرة على الحريق.. ولكن الحريق دمر الهيكل بالكامل، لأنه مصنوع من ألواح الخشب المصنوعة منه كنيسة نوتردام!.
وحين تعود إلى تغطية الصحف المصرية نفسها، لاحتراق نوتردام باريس، سوف تشعر بالفرق.. فمن يكلمك عن سحر الكنيسة وبرجها الشهير، ودورها في رواية فيكتور هوجو الشهيرة «أحدب نوتردام».. ومن يحدثك أنها أهم معالم أوروبا عامة، وباريس خاصة؟.. ومن يتغزل في سحرها، وقيمتها التاريخية.. فضلاً عن حالة الحزن التي خيمت على الناس في ربوع العالم!.
الحكاية أننا لا نشعر بقيمة ما نملكه.. والحكاية أننا لا نحس تجاهه بأى مشاعر خاصة.. وبالتالى ينسحب هذا الشعور على الآخرين.. فلا تجد أي اهتمام أيضًا.. وللأسف لم نتعامل مع مارجرجس بقيمتها التاريخية ولا التراثية ولا الأثرية.. فكانت مجرد خبر وتغطية عادية في صفحة الحوادث.. فكيف نطلب من الآخرين التعاطف معنا؟.. وكيف نطلب من اليونسكو الاهتمام بنا؟!.
وأخيراً، فلا أحد سوف يهتم بك، إن لم تهتم بنفسك.. حرائق لبنان سمع بها العالم، استنفروا الدول المجاورة.. نحن في الجيزة لم نسمع بحريق مارجرجس.. هذه هي الحكاية.. فلا أحد اهتم بحريق الكنيسة، لأنها جاءت في سطرين.. ولا أحد سوف يحزن أو يتبرع، لأنك لم تستنفر العالم لاحتراق التاريخ!