بقلم : محمد أمين
لأول مرة أجلس على النيل ولا أكلمه. لم أجد كلمة فى ذهنى.. لم أكتب أغنية.. كان الجو مشوبًا بالرعب.. أين الناس؟.. لا أحد.. فى صالة المطعم الكبيرة لا يوجد غير زبونين يتناولان الطعام فى صمت.. يبدو أنهما صينيان أو كوريان.. قلت لعلهما السبب فى هجرة الناس للمكان.. وجلست فى صمت أيضا. أنظر إلى أحد الشباب.. بإشارة جاء وأتى بالفطار فى شنطة؛ ومعناه أنه مغلف طبقًا للإجراءات الاحترازية!.
لا عليك؛ فبالتأكيد طالته أيد بشرية.. فما ضره أن يكون طبق فول وطعمية وبيض وجبنة.. كل شىء فى كيس.. وكوب الشاى ورقى.. شعرت بالخوف.. مددت يدى إلى الطعام آكل بلا شهية.. بدأت ببيضة مسلوقة.. خلونا فى الأمان.. شربت الشاى فى كوب من الورق بلا طعم.. ثم أكلت ملعقة من العسل.. لرفع المناعة.. هممت بالوقوف ووضعت كل شىء فى نفس الكيس ورفعت رأسى للشاب الذى يعمل فى المطعم.. جاء ورفع الكيس ومسح الترابيزة ينتظر زبونًا آخر.. وارتديت الكمامة ومضيت لا أعرف إلى أين؟.
عملت تليفونًا أستأنس بالأسرة؛ حتى لا أشعر بأننى فى عالم الآخرة. سألتنى زوجتى مبسوط.. حاول تستمتع.. قلت حاضر.. وكيف أستمتع وحدى فى عالم كله رعب.. من الكورونا وأشياء أخرى. هذا حال الصحفيين عندما يذهبون إلى الأماكن الجديدة وعندما يقومون برحلة جديدة!.
صعدت إلى سطح المركب، يسمى الصن ديك.. لم أجد أحدًا.. أين الناس؟.. مضيت خطوات لأقعد على كرسى بعيد كنوع من الإجراءات الاحترازية.. لم يظهر أحد. الجو قاتل.. الشوارع خالية. والمركبات خالية.. طاقم الضيافة حزين.. لا يكلمه أحد.. ولا يكلم أحدًا.. يقتربون من بعيد.. يرتدون الكمامة.. ويضعون أيديهم خلفهم ولا يبتدرون أحدًا بالكلام.. أعرف أنها حالة قاتلة للمصريين؛ يحبون الكلام أكثر من البقشيش.. فما بالك لا كلام ولا بقشيش؟.. نظرت هناك.. حمام السباحة كان مغلقًا.. فى حالة غضب أو جفاف أو مرض.. ما هذا الجو القاتل؟.. جئت لأستمتع بالنيل والجو الساحر؛ فلم أجد غير الخوف.. ماذا أفعل؟.
نظرت إلى صفحة النهر.. بدت عندى مشاعر كثيرة متضاربة. أكلم النهر ماذا يخبئ له الدهر أم أكلم نفسى فيقولون اتجنن. أم ماذا أفعل؟.. لا أحد تكلمه ولا أحد تعرفه أو يعرفك.. هممت أن أقوم وأحزم حقيبتى وأهرب من حالة الخوف!.
كنت أنظر فى كل اتجاه.. وجدت مبنى كبيرًا على النيل لمديرية الأمن.. المبنى يشبه معبد الكرنك بأعمدة تشبه زهرة اللوتس. وبالتالى أنت فى قمة الأمان فلماذا هذا الرعب الذى لا تتعامل معه الشرطة.. على بعد خطوات كان مبنى المحافظة أيضا.. كل هؤلاء على الضفة الغربية للنهر.. إنها ضفة أهل الحكم.. بينما فى الضفة الشرقية كانت هناك مزارع بسيطة وبيوت متناثرة بشكل عشوائى.. إنها بيوت البسطاء الذين يتكلمون ويحبون العشرة وتشعر معهم بالأمان!.