بقلم:محمد أمين
لا يمكن إصلاح اقتصاد وطن، إلا عن طريق جهاز مصرفى مستقل.. ولكن لا يمكن إصلاح الجهاز المصرفى، إلا بإصلاح قانون البنك المركزى، باعتباره «أبوالبنوك».. هذه حقيقة ينبغى التسليم بها ابتداء.. إذن نحن فى حاجة إلى قانون يسمح بالاستقلال، ويطبق قواعد الحوكمة، ويسمح بالتدخل المبكر لمنع حدوث أزمات مصرفية.. القصة هى «حوكمة» لا «تحكم»!.
ويستطيع الجهاز المصرفى أن يغير ثقافة شعب.. ويستطيع أيضًا أن يتفاعل مع العصر دون خوف.. فمثلًا كانت البنوك تموّل «المصانع» فقط، والآن عليها تمويل «الأفكار الإبداعية».. فهى التى تصنع اقتصاد الأمم حاليًا.. ففى الخارج يموّلون الفكرة ويخلقون الفرصة ويقدمون الدراسات.. وعندنا نموّل المشروعات بعد شراء الأرض واستيفاء جميع التراخيص!.
ولا أريد الإشارة إلى أزمة تركيا بسبب تدخلات رجب أردوجان، فهناك فرق بين الاستقلال والسيطرة.. المهم الآن أن البنوك بدأت التعاون مع جامعات كبرى لتمويل الأفكار.. ومعناه أن أصحاب الأفكار لن ينتظروا طويلًا مَن يلقى لهم «الفتات»، إذا كانت أفكارًا ملهمة.. وأفهم من ذلك أن المبدعين لن «يهربوا» إلى الخارج بعد أن أصبح لدينا «إدارة كاملة» للبحث والإبداع!.
وقد سعدتُ أننى كنت ضمن مجموعة محدودة من الكتّاب فى زيارة للبنك المركزى.. استعرض طارق عامر ومعاونوه أهداف مشروع القانون الجديد.. وأهم نقطة يمكن التركيز عليها أن القانون ليس فيه أى تمثيل حكومى.. وهذا هو الاستقلال المقصود.. وسيكون هناك مجلس تنسيقى طبعًا.. وهى خطوة مهمة فى مشوار الحوكمة.. و«مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة»!.
وهناك عدة مسارات «تحكم» قرارات البنك المركزى.. أولها: الشغل المؤسَّسى وصناعة القيادات.. ثانيها: الحفاظ على الودائع.. ثالثها: تشجيع الاستثمار، والانتقال للعملاء وليس انتظارهم فى البنك.. رابعها: توسيع رقعة تمويل المشروعات الصغيرة مقارنة بالمشروعات الكبرى، بدلاً من 20%، لتكون 50%.. الهدف هو خلق بيئة صناعية، وليس «بيئة استهلاكية»!.
وتبقى عدة نقاط أساسية لا يمكن تجاهلها أبدًا، وأهمها تعزيز مبدأ الشفافية والإصلاح، والعمل على منع تضارب المصالح، وأخيرًا تعزيز مبدأ سرية الحسابات.. ويمكن أن تبدأ بأى واحدة منها، لكن كل واحدة لا تقل أهمية عن الأخرى إطلاقًا.. وربما تأخر القانون، لكنه احتاج فترة طويلة لإعداده، وكان الهدف منه حماية الثروة ومنع الاحتكار وحماية حقوق العملاء!.
وأخيراً، هذه مجرد نبذة عن مشروع كبير يجرى الانتهاء منه الآن، سيُعرض أولًا على الحكومة والبرلمان، وسيصدره الرئيس.. أيقنت أن العمل فى البنوك أكثر انضباطًا من أى قطاع حكومى، ويشبه الخدمة فى القوات المسلحة.. ربما يختلف فى صناعة القرار لأنه لا يعرف «تمام يا فندم»!.