بقلم - محمد أمين
لن ينسى المصريون يوم التنحى، ولن ينسوا الطريقة التى أعلن بها عمر سليمان الخبر.. فقد تمت إعادتها عشرات المرات، حتى نتحقق من ملامح عمر سليمان، ومن طريقته أيضاً.. ولن ينسوا أن الفريق سعد الدين الشاذلى قد غادر الحياة الدنيا فى تلك الليلة، بعد أن اطمأن أن حسنى مبارك قد سقط، فقد استبعده وحبسه وطارده ورفع اسمه من بانوراما أكتوبر!.
شخص آخر يبدو أنه تنفس بسقوط مبارك أيضاً، وهو الوزير الأسبق منصور حسن.. فقد عاش 30 عاماً لا ينطق بكلمة، ولا يخرج فى مناسبة، ولا يصرح بأى تصريح، ولا يشارك فى ندوات ولا مؤتمرات.. كأنه كان يراهن على سقوطه.. وما إن قامت الثورة حتى كان اسمه فى طليعتها، وطلبه المشير طنطاوى وكلفه برئاسة المجلس الاستشارى للمجلس العسكرى!.
كان المجلس العسكرى أقرب إلينا من أى شخص آخر فى تلك الأثناء.. وسعدنا جداً بأن يكون هو المكلف بإدارة شؤون البلاد.. ولم نكن نعرف سر تكشيرة عمر سليمان.. هل لأن الأمور آلت للمشير طنطاوى ومجلسه؟.. أم لأن الأمور خرجت من يد مبارك صديق العمر، وأنها قد تنتهى للإخوان؟.. أم أن غضبه كان لأن دوره قد «انتهى» وأن الزمان قد تغير؟!.
المهم أن الأمور قد «هدأت» بعد التنحى، وذات يوم أثيرت فكرة «الرئيس التوافقى».. وطلبنى منصور بك حسن فى ساعة مبكرة.. وقال لى مباشرة: «طلبتك هذه المرة لأسألك: إيه رأيك لو طُلب منى أن أترشح كرئيس توافقى؟.. قلت له: هل تملأ يدك من الإخوان؟.. قال: لا.. قلت كلمتين على سبيل المجاملة، وقلت: سأكون أسعد الناس لو أصبحت رئيساً، ولكن لا تفعل!.
وعادت بى الذاكرة إلى عصر السادات.. فقد كان يحب منصور حسن ويقربه إليه.. وكان هو كشخص معتد بنفسه ومحترم، ودرس فى كلية فيكتوريا.. وأراده السادات أن يكون نائباً له، للانتقال إلى الحكم المدنى شيئاً فشيئاً.. وربما كان ذلك سبباً فى أن يبعده مبارك، وكانت جيهان تؤيد فكرة توليه بدلاً من مبارك.. وكانت أزمة الجميع بعد اعتلاء مبارك كرسى الرئاسة!.
وأعود إلى سؤال منصور بك، وأود أن أبوح الآن بسر كتمته.. عندما سألنى عن رأيى، قلت فى نفسى: يا رب خلصنا من رئيس ثمانينى ونأتى بآخر ثمانينى.. أليست ثورة شباب فى بلد شابة، لماذا نختار لها العواجيز؟.. وكتبت مقالاً فهم منه موقفى، وكان بعنوان «ما أخدش العجوز أنا».. وأسرها فى نفسه، وخاصمنى عدة أيام ثم قال عندك حق، مصر تستحق أفضل منا!.
كان منصور حسن سياسياً نبيلاً يتقدم على البرادعى وزويل.. وكانت عندنا أحلام كبرى.. تبخرت كلها حين سيطر الإخوان على البلاد.. ولم يعد أمامنا غير العودة للميادين من جديد.. فلم يخرجوا إلا بالدم!.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع