بقلم : محمد أمين
عندما تدخل إلى مبنى ماسبيرو فسوف تلقى معاملتين مختلفتين.. إذا كنت تتجه يميناً، فأنت فى طريقك إلى التليفزيون، وستتلقى أكثر من اتصال قبلها للاطمئنان على وصولك، ثم يستقبك أحد موظفى العلاقات العامة، ويسبقك إلى الاستديو.. أما إذا كنت تتجه يساراً فأنت إلى الإذاعة.. لا يتصل بك أحد غير المذيع للترتيب أول مرة، ثم لا يستقبلك أحد، ولا تعرف أين تمضى إلى وجهتك.. ولكن حين تصل، لن تحتاج إلى أى شىء بعدها.. فليس عندك شعور بالتوتر والقلق، ولا يشغلك أحد بتركيب المايك أو الجلوس مشدوداً أمام الكاميرات!.
المذيعة التى تعرفها هى نفس المذيعة التى تقابلك، لا تجلس أمام المرآة ولا تضع ميكاب.. ولا تراها برموش غير رموشها، ولا عيون غير عيونها.. مذيعة الإذاعة تهتم بالمضمون قبل الشكل.. ومذيعة التليفزيون تهتم بالشكل قبل المضمون.. ربما طبيعة الوسيلة هى السبب!.
على أى حال، فقد ذهبت إلى ماسبيرو مرتين.. مرة مع الإعلامية الكبيرة نادية صالح، رحمها الله، لتسجيل حلقة من برنامج «زيارة لمكتبة فلان».. وكنت مشفقاً على نفسى وأنا أجلس أمامها.. فقد حاورت قامات أدبية وعلمية رفيعة، مثل عباس العقاد وزكى نجيب محمود وأنيس منصور وغير هؤلاء!.
والمرة الثانية ذهبت إلى الدكتور لمياء محمود، رئيس صوت العرب، لتسجيل حلقة لبرنامج «برّة المجرة».. ورغم أن أحداً لا يراك فى الإذاعة، فإن هذا الميكروفون فاضح للحالة المزاجية والنفسية التى تكون عليها.. فهو ناقل حساس لمشاعر الضيف وإحساسه بالمتعة أو الضيق وغير ذلك.. وفى الحالتين كنت أحلق وأنا أمام ميكروفون الإذاعة التى تربينا عليه.. وكنت سعيداً بصاحبة الدعوة، وكنت سعيداً بأننى مشغول بالفكرة أكثر من اهتمامى بالكرافتة!.
وفى التليفزيون، ينصرف جزء كبير من اهتمامك إلى مظهرك، وفى الإذاعة تكون الفكرة هى الأصل.. ومذيعة الراديو محترفة لتحويل «الميكروفون» إلى حالة يعيشها المستمع بكل ما يملك.. وأكتب اليوم عن تجربة صوت العرب مع لمياء محمود وعبدالرحمن بسيونى.. قمة فى الاحتراف والالتزام بالقيم الإذاعية.. يعرفان متى يسألان ومتى يصمتان!.. وقد حلقنا فى السماء بفكرة خيالية، وقمنا بنزهة فضائية «برّة المجرة»، وتركا لى حق تشكيل الكوكب على راحتى.. من أول تسميته، وأسماء الميادين والشوارع، والأدوات والأشخاص وحتى الأغانى التى آخذها معى!.
وأطلقت على الشوارع أسماء علماء مصر وأدبائها وفنانيها العظام من أول الدكتور زويل إلى نجيب محفوظ وعباس العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم ومجدى يعقوب وأم كلثوم.. ولكنى سميت الكوكب الجديد باسم «مصر الجديدة».. فهى التى تعيش فينا، مهما ذهبنا لا ننساها ابداً!
وبحكم التخصص، فقد أطلقت على أحد الشوارع شارع الصحافة، وأسماء مصطفى أمين وهيكل وأنيس منصور وأحمد بهاء الدين وسلامة أحمد سلامة، وغير هؤلاء.. كانت ساعة رائعة لا تقل عن برنامج «زيارة لمكتبة فلان».. وهكذا هى الإذاعة ساحرة، تشكل وجدانك وتستفز خيالك!.