بقلم - خالد أبو بكر
(1)
اقترب موعد القمة العربية المقرر انعقادها فى الرياض أواخر الشهر المقبل، ويمكن لأى متابع لمجرى الحوادث فى العالم العربى أن يكتب ما سيتضمنه البيان الختامى لهذه القمة، الذى لن يخرج عن بنود كلاسيكية مكررة ومعادة من القمم السابقة؛ وذلك مرده إلى أننا أدمنا التعاطى مع ظاهر الأزمات العربية عوضا عن جوهرها، مع الوقوع فى فخاخ «التكتيكى الجزئى» على حساب «الاستراتيجى الشامل».
للخروج بقمة عربية مختلفة هذه المرة تثير انتباه المتابعين أدعو القادة العرب للنظر بعمق لما كتبه السيد أحمد أبوالغيط الأمين العام للجامعة العربية، فى «الشرق الأوسط» اللندنية الأسبوع الماضى، عن «الفراغ الاستراتيجى العربى» الذى قال إنه أصل كل الأزمات التى تضرب عالمنا العربى فى اللحظة الراهنة؛ لأن «الأمن القومى العربى ما زال يجرى التعامل معه بمنطق التجزئة إلى ملفات» فى حين أن «الخصوم الإقليميين يوظفون هذا الوضع لصالحهم، وينفذون من ثغرات فى الجسد العربى».
فإذا انتبه القادة لهذه الرؤية الاستراتيجية، وناقشوا كيفية ملء هذا الفراغ، أعتقد أننا نكون قد وضعنا أقدامنا على أول الطريق الصحيح، فإذا سلمنا بالقاعدة المنطقية التى تقول إن «العلَةُ تَدورُ معَ المَعلولِ وُجودا وعَدَما، فإذا زالت العِلَةُ زالَ المعلولُ»، فإن ملء هذا الفراغ الاستراتيجى، كفيل بإزالة الكثير من أسباب الأزمات العربية.
(2)
قال أبوالغيط فى مقاله الذى جاء تحت عنوان «عشر ملاحظات على هامش الأزمات العربية»، إن «الأزمات العربية، وإن بدت منفصلة جغرافيا، ومتباينة من حيث طبيعتها وظروفها وهوية الأطراف الفاعلة فيها، ينتظمها خيط جامع، وتوحدها عناصر مشتركة؛ فالأغلبية الكاسحة من هذه الأزمات نتاج مباشر لظاهرة 'الفراغ الاستراتيجى التى نشأت عن أحداث 2011 وما تلاه، حيث أفرزت هذه الأحداث، من بين ما أفرزت، عددا من الصراعات الخطيرة التى كان من شأنها إضعاف وإسقاط حكومات وكياناتٍ سياسية ومنظومات أمنية كانت تتحكم فى أعداد هائلة من السكان وتُسيطر على مساحات من الأراضى. وكان من مُحصلة ذلك أن بزغ فراغٌ خطير، من الناحية الأمنية والسياسية، فى قلبِ العالم العربى وأطرافه. وهذا الفراغُ هو محور الصراعات الجارية حاليا فى المنطقة.
وأشار إلى أن: زلزال 2011 ضرب المنطقة فى وقتٍ لم يكن فيه النظام العربى فى أفضل أحواله، بل كان – ولا مهرب من الاعتراف بهذا ــ منقسما على ذاته بين محاور مختلفة وتتجاذبه تيارات مُتباينة، اختار البعضُ أن يُصنفها بـ«الاعتدال والممانعة».
وواصل الأمين العام بأن: السباق على ملء «الفراغ الاستراتيجى» هو ما هيأ الفرصة لأطراف من داخل المنطقة، وفى جوارها القريب، وبامتداد العالم الخارجى، لتتصارع على انتزاع مواطئ أقدام لها، وهو ما أطلق الطموحات والأطماع لإعادة رسم الخرائط وتحصيل «الغنائم».
كان من نتيجة هذا الوضع المؤسِف – كما يقول أبو الغيط ــ غيابُ أى نقاش جماعى جدى للقضايا الاستراتيجية العربية فى سياقها الشامل. ثمة جملة من المخاطر تواجهها كل دولة، أو مجموعةٍ من الدول، فرادى. ويجرى التعامل مع هذه المخاطر «حالة بحالة»، وفى الغالب عبر رد الفعل وليس المبادأة. ومن ذلك مثلا أن تتعرض عاصمةٌ عربية لتهديد ما، فتجرى الدعوةُ لعقدِ اجتماعٍ وزارى طارئ ليُصدِر قرارا فى هذا الشأن، أو أن تواجه القضية الفلسطينية تهديدا وجوديا، فتتم الدعوةُ لعقد المجلس الوزارى لمناقشتِه. وهذه التحركاتُ، على أهميتها فى مواجهة المخاطر الآنية، لا تصلح كاستراتيجية متكاملة وشاملة لمُجابهة التهديدات أو الاستعداد لها.
(3)
لا يرى أبوالغيط سبيلا للتصدى للتدخلات الإقليمية بصورة فعالة، «إلا عبر مناقشة هذه التدخلات والتهديدات جميعها كملفٍ واحدٍ متكامل»، وأن «حوارا صريحا بين الدول العربية حول الأزمات والتهديدات، داخلية كانت أم إقليمية أم دولية، هو السبيل الوحيد لتشكيل موقف موحد وصلب يضع العرب فى موضع القوة إزاء الآخرين من الطامحين والطامعين».
ومن هنا فإننا نعيد التأكيد على ما صدرنا به هذا المقال، وهو أن تتبنى قمة الرياض المقبلة، فتح حوار مفتوح على الأقل بين أكبر عدد من الدول العربية، إذا بات الإجماع مستحيلا فى اللحظة الراهنة، لمناقشة التهديدات التى تطال الجميع، وإلا فلا داعى للصراخ من التدخلات الإقليمية والدولية فى الجسد العربى الذى أنهكته الانقسامات.
نقلا عن الشروق القاهريه