بقلم - خالد أبو بكر
(1)
انشغلت وسائل الإعلام العربية طيلة الأيام الماضية بالحديث عن استقالة وزير خارجية السودان، إبراهيم الغندور، على خلفية احتجاجه على انتزاع العديد من ملفات السياسة الخارجية من وزارته؛ ذلك أن الرئيس السودانى عمر البشير أصدر فى بدايات 2016 قرارا بتعيين عوض أحمد الجاز مسئولا عن ملف الصين بدرجة مساعد رئيس جمهورية، وكذلك ملف العلاقات مع دول «البركس» (الصين، روسيا، الهند، البرازيل وجنوب إفريقيا)، وأخيرا أسند البشير إليه أيضا ملف العلاقات مع تركيا؛ للدرجة التى تجعل من الجاز وزيرا موازيا للخارجية السودانية، وهو ما دفع الغندور لتقديم استقالته المسببة.
(2)
تضاربت الأنباء كذلك عن قبول البشير لاستقالة وزير خارجيته، لكن الذى تأكدت منه من مصادر سودانية رسمية واسعة الإطلاع أن الغندور تقدم بالفعل باستقالته لذات الأسباب التى سردتها توا، وأنه قدم هذه الاستقالة مكتوبة إلى وزير شئون رئاسة الجمهورية، فضل عبدالله بحر، وأن وسطاء من داخل النظام تدخلوا لإقناع وزير الخارجية بالعدول عن استقالته، وهو ما تم بالفعل اذ يمارس الغندور مهام منصبه الآن.
المصادر نفسها أكدت أن «عدول الغندور عن الاستقالة لم ينه الأزمة؛ ذلك أن البشير استشاط غضبا من الوزير؛ لأنه قدم استقالته إلى وزير شئون رئاسة الجمهورية، متجاهلا بذلك رئيس الوزراء والبشير شخصيا، وتساءل الرئيس السودانى فى حديثه إلى المقربين منه: ما الذى كان يمنع وزير الخارجية من التحدث إلى مباشرة فى الأمور التى تزعجه؟ هل هو غير قادر على التحدث إلى فى هذا الأمر ونحن نلتقى دوما؟ وهل بداية الاعتراض تكون بالاستقالة؟
وبحسب المصادر نفسها فإن البشير على الرغم من عدم اعتراضه على عودة الغندور لعمله إلا أنه لم يبت حتى الآن فى الاستقالة، وبات الوزير فى عداد «من ينتظر مصيره».. لا يعرف ما يدور فى عقل الرئيس.. وهل تجاوز مسألة الاستقالة، أم أنه بالفعل عازم على قبولها وتعيين السفير السودانى فى بروكسيل مطرف صديق النميرى وزيرا للخارجية.
(3)
السبب الرئيسى فى العلاقة المضطربة بين الرئيس السودانى ووزير خارجيته أراه مرتبطا بـ«ملف العلاقة مع الولايات المتحدة» وليس ملف إدارة العلاقات مع مصر كما يردد البعض؛ فإنجاز الغندور الأول منذ تولى منصبه الوزارى فى 2015، هو نجاحه فى تخفيف عقوبات أمريكية اقتصادية على السودان استمرت 20 عاما، بعد مفاوضات استمرت لأكثر من 6 أشهر، وبناء على ذلك يرى وزير الخارجية أنه بالإمكان استصدار قرار أمريكى مماثل برفع السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب، وأنه يمكن البناء على ذلك فى التوصل لتسوية لقضية البشير أمام المحكمة الجنائية الدولية.
غير أن البشير بمرور الوقت فقد الثقة فى الأمريكان ويرى أنهم يماطلون ويناورون فى هذا الملف، وهو ما دفعه إلى شن هجوم حاد عليهم فى أثناء زيارته لروسيا أواخر نوفمبر الماضى، إذ قال إن بلاده بحاجة إلى حماية من العدوان الأمريكى، عندما ذكر أن «الأمريكان نجحوا فى تقسيم السودان لدولتين وساعين لمزيد من التقسيم»، وهو ما صدم الغندور الذى فوجئ بتصريحات رئيسه المعادية للولايات المتحدة، والتى تقوض كل جهوده فى تطبيع علاقات بلاده مع واشنطن، وخروجها من تصنيف الدول الراعية للإرهاب، الأمر الذى يعرضها لعقوبات اقتصادية قاسية.
(4)
بحسب ما أكدت المصادر فإن «حضور الغندور القمة الإفريقية المقرر أن تبدأ أعمالها غدا فى أديس أبابا خلف الرئيس السودانى، ما يزال يكتنفه الغموض»، وشددوا على أن غيابه عن هذه القمة سيؤشر بنسبة كبيرة جدا على أن الرئيس يعتزم بالفعل قبول استقالته، إذ من غير المعقول غياب وزير الخارجية عن هذه القمة المهمة التى يحضرها رئيس الدولة.
فى الختام نقول إن المتابع لصناعة القرار فى سياسة السودان الخارجية، يلحظ جنوح رئاسة الجمهورية إلى القيادة المباشرة للدبلوماسية السودانية، على حساب وزارة الخارجية، ولعل شيوع مصطلح مثل «الدبلوماسية الرئاسية» فى السنوات الأخيرة فى الداخل السودانى، خير دليل على وجود هذا التوجه، الذى يزعج الدبلوماسيون، ويخلق نوعا من التضارب بين المؤسسات، ويتسبب فى الانعطافات الحادة المفاجئة فى حركة السودان على المسرحين الإقليمى والدولى.
نقلا عن الشروق القاهرية