توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المستفيد الأول من مقتل جمال خاشقجى

  مصر اليوم -

المستفيد الأول من مقتل جمال خاشقجى

بقلم - محمـد أبــوالفضـــل

الطريقة التى تعاملت بها دول مختلفة مع مقتل الصحفى السعودى جمال خاشقجى فى اسطنبول، استفادت منها دوائر سياسية واقتصادية كثيرة، حاولت توظيف الحادث وفقا لأهدافها الظاهرة والخفية، لتحقيق مكاسب مادية ومعنوية على حساب السعودية. 

من السهولة التعرف على الجهات التى سعت إلى استثمار الجريمة البشعة، إذا أمعنا النظر فى الأوساط التى تلقفت الحادث منذ الدقائق الأولى وعملت على تسييسه قبل كشف الكثير من ملابساته، الأمر الذى منح القضية أبعادا مركبة، جعلتها تتحول إلى نقطة رئيسية لتطورات عديدة فى المنطقة.

الإعلام الذى أصبح أداة مهمة فى أيدى الدول التى تحسن استخدامه، سيكون هو البطل فى إشعال أو أطفاء المشكلات خلال الفترة المقبلة. ففى هذا الحادث لعب دورا كبيرا فى إجبار الأطراف المنخرطة فى الأزمة لكشف الكثير من المعلومات، حتى خارت القدرة على استمرار النفى والإنكار، وبدا التجاوب مع الفورة العالمية والرد عليها أفضل من الانكفاء والصمت وتلقى الضربات.

مقتل خاشقجى أعاد الاعتبار للإعلام، وبرهن على أنه لا يزال قادرا على التأثير، وأسهمت التسريبات المتباينة فى تسليط الأضواء على القضية، ومنحتها مضامين ضخمة، كما ساعدت الملاحقات المتتالية للأطراف التى لها علاقة بالحادث، من قريب أو بعيد، فى تقديم وجبة دسمة، ولو شابتها أخطاء فادحة.

الحادث جاء فى توقيت تصاعدت فيه وتيرة المطالبات بتهميش الإعلام وتجاوز دوره، بل والتعامل معه على أنه وسيلة مكملة يمكن الاستغناء عنها، لكن التداعيات التى نجمت، وقامت وسائل الإعلام بدور أساسى فيها، تفرض ضرورة إعادة النظر فى الرؤى التى راجت فى اتجاه إمكانية التخلص من التركة التى أثقلت كاهل بعض المؤسسات الرسمية.

ربما تكون الأزمات التى نتجت عن أخطاء إعلامية، دفعت البعض إلى تبنى مواقف سلبية، وأدى الضجيج الذى أحدثه البعض بدون فوائد إلى عدم الاقتناع بالدور المؤثر للإعلام فى تغيير اتجاهات الرأى العام، وقد تكون المخاطر الناجمة عن اتساع رقعة تأثير مواقع التواصل الاجتماعى سببا فى تقليل الاعتماد على الإعلام التقليدي.

الحاصل أن المشرفين عليه فى دول عربية عدة، وصلوا إلى اعتقاد بانعدام الدور السياسى للإعلام، ورأوا الجوانب السلبية فيه طاغية، ولم يدركوا الأهمية التى يمكن أن يقوم بها على مستوى السياسة الخارجية، إذا أحسن توظيفه وترشيده، وأمدوا القائمين عليه بالمعلومات، ووضعوا خطة متماسكة ليقوم بدوره المهنى وخدمة الأمن القومي.

حادث خاشقجى سوف تجنى منه الدول التى وظفت الإعلام لخدمة أغراضها مكاسب كبيرة، ويمكن أن تمنع نزيف الخسائر التى لحقت به من خلال تبنى روشتة فاعلة للمستقبل، تتجاوز المعطيات التى جعلته خاضعا لحسابات ضيقة، وتراعى الدور السياسى له.

قطر التى منحت جريمة خاشقجى أولوية فاقت الكثير من القضايا السياسية والصراعات المسلحة التى تموج بها المنطقة، باتت تضع شروطا لموافقتها على عودة العلاقات مع السعودية، بينما كانت حتى وقت قريب مغلوبة على أمرها، تتسول المصالحة مع الرياض بأى ثمن تدفعه، وتبدى استعدادا لتقديم تنازلات للتفاهم على عودة العلاقات.

القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية التى جرى ضخ أموال باهظة فيها، حققت ما عجزت عنه أدوات الدوحة الدبلوماسية، وأدى التركيز على الحادث بصورة مثيرة إلى عودة متابعتها بعدما كاد الجمهور العربى ينصرف عن الجزيرة وأخواتها، ووجد البعض فيها ملاذا لمشاهدة روايات والاستماع لقصص جذابة، وهو يعرف أنها محكومة بضوابط مزيفة وتنطلق من أهداف سياسية محددة، وتضم الكثير من معالم التشويش المقصود.

الواقع أن الإعلام يلعب دورا مهما، إذا أحسن استغلاله بشكل صحيح، وغالبية الدول التى تشكو من ارتفاع تكاليفه لم تجرؤ على التخلص منه تماما.

قد تكون أعادت تقنين بعض الوسائل، لكنها لم تفكر فى دفنها، وراجعت أهدافه بناء على مقتضيات العصر، التى تتطلب وضع تصورات واضحة، والقيام بعملية فرز حقيقى للعاملين فيه، فإذا كان الإعلام الناجح أداة سياسية جبارة، فالفاشل سوف يفضى إلى كوارث مختلفة. الصحف التى أغلقت والمحطات الفضائية التى توقفت لم تجد تمويلا كافيا لاستمرارها، لكن الوسائل التى تقف خلفها دول ومؤسسات عملاقة من الصعوبة أن تواجه هذا المصير عندما تنجح فى إعادة أوجه الإنفاق وتعمل على ترتيب بعض الأوراق ومنح المهنية أولوية.

المهنية علامة الجودة الرئيسية للانتشار والتأثير، فمهما كان المشروع الذى تتبناه هذه الوسيلة أو تلك، فالنجاح يتوقف على حجم القدرة على الالتزام بحد معقول من الاحتراف. قنوات قطر وتركيا تتبنى خطابا سياسيا مغرضا، يسعى إلى تلوين الأحداث بالصورة التى تخدم أهداف القائمين عليه. خطاب له أجندة لم يمل أصحابها من العزف على أوتارها وترديدها فى كل مناسبة، حتى واتتهم الفرصة، كأنهم كانوا فى انتظارها، لذلك استوعبوا عنصر الحدث وإفرازاته وتعاملوا سريعا مع تجلياته.

فى المقابل أصابت المفاجأة غالبية وسائل الإعلام العربية، ولم تتمكن من مجاراة التطورات بطريقة تتواءم مع خطورتها، وأدى التأخير فى التعامل معها إلى تمكين الوسائل المنافسة من التفوق، على الأقل فى الأيام التى كانت فيها الرؤية السعودية غامضة ومرتبكة، وبعد أن جرى استيعاب الأزمة- الصدمة, ومحاولة اللحاق بنتائجها السياسية، كانت قد ترسخت صورة ذهنية سلبية، تحتاج وقتا لمحوها ثم رسم صورة مغايرة.

الواضح أن النتائج التى خلفتها الجريمة تجبر بعض الدول العربية على عدم التفريط فى أذرعها الإعلامية، ومنحها مساحة للحركة والاجتهاد، وعدم فرض قيود صارمة عليها تجعلها أثيرة لتوجهات معينة. فأزمة خاشقجى سوف تضخ الروح فى كثير من وسائل الإعلام التى كان يتم التفكير فى إغلاقها، وربما زيادة أعدادها، ووضع رؤية واضحة تمكنها من مسايرة الأزمات الطارئة.

المنطقة حبلى بالمفاجآت، ما يضخ الدماء فى عروق وسائل الإعلام، ويمنحها قدرة على تطوير نفسها، تمكنها من مجابهة الحروب المقبلة، والتى سوف يكون الإعلام رأس حربة أساسيا فيها، لاسيما عندما تتوافر له مقومات تساعده على أداء وظيفته بطريقة محترفة، بالتالى من الطبيعى أن يصبح هو المستفيد الأول من جريمة خاشقجي.

نقلًا عن الأهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المستفيد الأول من مقتل جمال خاشقجى المستفيد الأول من مقتل جمال خاشقجى



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon