هذا السؤال يدور فى أذهان كثيرين. من يتعاطفون مع سوريا كدولة. ومن ينحازون إلى النظام الحاكم فى دمشق. وحتى من يرفضون العودة أصبحوا مشغولين به، لأن التطورات الأخيرة ترجح كفة الرئيس بشار الأسد على خصومه فى الداخل.
جهات متعددة لم تنكر تعاطفها مع النظام السورى فى محنته، كما تبغضه جهات أخرى. لن أناقش هؤلاء أو هؤلاء، فكل طرف لديه من الحجج ما يؤكد رؤيته، الإيجابية أو السلبية. لكن نحن أمام حالة ربما تكون نادرة فى العمل المشترك، فالكثير من الممانعات السياسية جرى رفعها عن رقبة دمشق، ومع ذلك لم تستطع العودة للجلوس على مقعدها فى الجامعة العربية.
معالم التصورات المحلية والإقليمية والدولية تغيرت من النظام السوري، بحكم الأمر الواقع، والقدرة على الصمود، وبسبب التبدل الحاصل فى الحسابات، وما منحته من دروس عدة، أبرزها عدم الرهان على جهة واحدة، وتحاشى الدخول فى عداء طويل يفتقر الحكمة وخطا واضحا للرجوع، وأن التنظيمات والحركات الصغيرة لا تقل أهمية عن الكبيرة فى قدرتها على إحداث توازنات مهمة، كما أن كل المعادلات الإقليمية الصعبة معرضة للتغيير.
النقطة الأخيرة تنطبق على الحالة السورية، التى أجبرت قوى متباينة على إدخال تعديلات حول تقديراتها وتوجهاتها السابقة، لأن الصراع الممتد تتشارك فيه دوائر مختلفة، لديها رؤى يمكن أن تتحول فى أى لحظة من النقيض إلى النقيض، ليس لوجود عيوب فى منطقها، لكن لأن السيولة الشديدة فى النزاع والقوى التى تدخل فيه أو تخرج منه، لها تأثيرات على مكوناته الحاكمة، وهو ما جعل الحديث عن عودة دمشق إلى حضن الجامعة العربية يتزايد ويجد آذانا صاغية أخيرا.
الواضح أن الدول المؤيدة والرافضة لعودة سوريا بدأت تقبل التعامل بواقعية مع هذه المسألة، فى ظل انشغالاتها الداخلية، وعلى يقين أن الأمن القومى العربى مضاف إليه دولة سوريا الموحدة أفضل كثيرا من خصمها، وعزلها لمدى طويل سوف تكون له مردودات سلبية على الجميع.
بالطبع هناك مشكلات عالقة بين دول عربية والنظام الحاكم فى دمشق، يمكن تفهمها والبحث عن حلول مرنة لها، لأن سوريا أكبر من نظام يحكمها عليه تحفظات من جانب البعض، وهى ضلع مهم للدول العربية، بما فيها تلك التى دخلت فى خصومة مع الأسد، ولذلك قد تثمر عملية المراجعات الدائرة عن نتائج إيجابية.
الحصيلة التى يمكن الخروج بها سوف تظل معلقة بدرجة المتانة بين سوريا وإيران، وهى تعد جوهر الأزمة التى تحول دون استعادة دمشق مقعدها فى الجامعة العربية، وتفسر عدم تقدم أى دولة عربية حتى الآن بطلب لعودة سوريا، والذى يحتاج لمصادقة عليه من وزراء الخارجية العرب.
المخاوف العربية من العلاقات المتشابكة بين دمشق وطهران قديمة ولها مبرراتها، لكنها ازدادت حاليا بعد التطور الذى شهدته على ضوء المساندة الإيرانية القوية لسوريا السنوات الماضية، والتى كانت أحد عوامل الحسم لصمود نظام الرئيس بشار الأسد، ما يجعله أسيرا لبعض حسابات طهران الإقليمية، والتى تصطدم مع مصالح دول عربية كثيرة. الرفض الضمنى لعودة دمشق يأتى من هذه الزاوية، وحسب كلام سمعته مباشرة من مسئول عربى كبير: لسنا على استعداد لعودة سوريا للحديث باسم إيران فى الجامعة العربية، وأردف قائلا: من الضرورى أن تكون هناك مسافة واضحة بين الطرفين، وما تم قبوله سابقا سيكون من الصعوبة الصمت عليه لاحقا، فى وقت تصاعدت فيه درجة ولاء دمشق لطهران.
الكلام السابق يبدو دبلوماسيا فى بعض جوانبه، ويعكس الحقيقة التى يرفض كثيرون التطرق إليها مباشرة، وتتعلق بأن التوصل لحسم نهائى للأزمة السورية يرتبط بترتيبات قوى إقليمية ودولية لها باع طويل فى تحديد مصير عدد من اللاعبين الرئيسيين، وهى المعضلة التى يتوقف عندها كثير من التحركات السياسية والأمنية.
إيران واحدة من الدول التى لها باع طويل فى الأراضى السورية، ولا ينكر نظام بشار الأسد وقوفها إلى جواره، وقت أن انفض عنه آخرون، وعملية التخلى عنها بحاجة إلى إرادة مادية ومعنوية فولاذية، وهى عملية قد تستمر وقتا طويلا.
وطالما بقى هذا الهاجس مسيطرا على ذهن قوى متباينة فسوف تظل عملية عودة دمشق للجامعة معلقة، ويمكن أن تدخل مجالا طويلا من المزايدات، مع وضد، إلى أن يتم التوصل إلى صيغة تقلل هواجس الدول العربية من التحام دمشق مع طهران، أو تهتدى القوى الكبرى لطريقة تؤثر على أواصر العلاقات المتينة بينهما. وهنا يمكن تحديد أربع مشكلات رئيسية.
الأولى: أن إيران قضية تتجاوز حدود الأزمة السورية، فهى جزء من توجهات إقليمية ودولية متضاربة فى طريقة التعامل معها، والبحث عن حل مناسب لها يخضع لتعقيدات كثيرة، ولا توجد طريقة واحدة يمكن الالتفاف عربيا عليها، ووسط الصدام بين التصورات تستطيع طهران مواصلة أدوارها بوسائل مختلفة.
الثانية: هناك تسليم عربي، شبه متوافق عليه بالرضاء أو الضغط، أن الولايات المتحدة لا تريد عودة سوريا للجامعة فى هذه الأجواء، وحسب كلام الدبلوماسى العربى الولايات المتحدة ترفع فيتو ضمنيا على هذه الخطوة، ودمشق لم تتخذ التحركات المناسبة لتشجيع بعض الدول العربية على تجاوز هذا الاعتراض، الذى يحتاج إلى جهود مضنية من الصعوبة ضمان نتيجتها فى الوقت الراهن.
الثالثة: تكمن فى التسليم بأن عودة سوريا لمقعدها تمثل مكسبا لطهران، وتخصم من رصيد المعركة السياسية معها، وهى نقطة تشكك فى عروبة النظام السوري، الذى يملك علاقات قوية مع إيران منذ عقود، ومع ذلك كان يحتل مقعدا أماميا فى الجامعة، ومثل أحيانا رأس الحربة فى العمل العربى المشترك.
المشكلة الرابعة: تتعلق بالتردد الظاهر فى تحركات بعض الدول العربية، خاصة المقتنعة بوجوب عودة دمشق لمكانها الطبيعي، وتخشى الترويج للخطوة من قبيل أنها تعد خسارة للمعسكر المناهض للنظام السوري، بينما من الضرورى النظر إليها باعتبارها تصحيحا لمواقف خاطئة، أو كانت صحيحة فى وقتها، ومع تغير الأوضاع من المهم التفكير بصورة عملية لعدم التمادى فى ارتكاب خسائر جديدة، فقد تنضم إلى قافلة إيران فى سوريا كل من تركيا وقطر.
نقلًا عن الأهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع