توقيت القاهرة المحلي 04:42:59 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«دستور.. يا أسيادنا»

  مصر اليوم -

«دستور يا أسيادنا»

بقلم : أحمد الجمال

بعيدًا عن نتيجة بقية إجراءات تعديل الدستور.. وبصرف النظر عما إذا كنت من مؤيدى التعديل أو من رافضيه أو ممن لا يعنيهم الأمر، فإن متابعتى ما يكتب على الفيس بوك وفى الصحافة وما يقال فى بعض برامج التليفزيون، تشير إلى أن الأمر تحول إلى ظاهرة تستحق التأمل، وتضاف إلى ما سميته الجدل القاهري، على وزن الجدل البيزنطي، غير أن القاهرى تفوّق بمراحل على البيزنطى الذى اقتصر على مدة قصيرة، كانت هى زمن انعقاد أحد المجامع المسكونية, المؤتمرات الكنسية الدولية، وكانت القضية هى طبيعة السيد المسيح ــ له المجد ــ أما القاهرى فهو ممتد متشعب محتدم.. حول يوليو وعبد الناصر.. حول الرأسمالية ورأسمالية الدولة.. وحول دور الجيش فى الحياة العامة.. وحول العلاقات المصرية ــ السعودية، وفى هذه الأيام أضيف موضوع تعديل الدستور، ليزداد التفتيت والتمزق والاختلاف، بينما البلد يحاول الفلفصة من أصابع الإرهاب والفساد والتخلف وكل السلسال الذى يعرفه الجميع.. ومن عجب أن الجدل قاهري، بمعنى أنه بين صفوف بعض من يسمون النخب السياسية والفكرية الذين يندر أن تجد فيهم أحدًا وقد انكوى بلهيب المشكلات الحياتية اليومية.

لفت نظرى أن الذين حاربوا ويحاربون وبجسارة وضراوة ونفس طويل ضد سلطة النص الدينى بوجه خاص، والنص عموما، واعتبار أن أى نص هو نسبى وتاريخى ومحكوم بظروف كتابته، بل إن بعضهم لا يتردد أن يناقش القرآن الكريم وبقية الكتب السماوية بهذا المنهج، ويستميتون فى التمسك بحتمية التخلى عن قدسية النصوص قرآنا وتوراة وإنجيلا وأحاديث نبوية ومزامير! ثم تجدهم هم أشد خلق الله الآن صراخًا وعويلًا وصخبًا ضد أى اقتراب من قدسية نص وضعى وضعه بعض الأفراد، كان معظمهم مختلفًا على اختياره وعلى ثقافته وعلى كفاءته، وبحكم أنه لا أحد يحوز الكمال لا النسبى ولا المطلق! لقد استل بعضهم خناجر على هيئة أقلام، وقذائف فى صورة كلام، وتصايحوا متنادين لجمع الصفوف وسل السيوف، ولم يبق إلا إهدار دم وإزهاق روح كل من يجرؤ على مجرد طرح أمر تعديل الدستور للمناقشة! لكى تتناوبه الخناجر وتمزقه القذائف.

ومن هنا أبدأ بالصياح دستور يا أسيادنا، كما كانت كودية الزار تصيح معتذرة لأسيادها العفاريت، كى لا يؤاخذوا جاهلًا عاب فى الزار أو فى الجن.. وأيضا كما كان الغلبان راكب الركوبة ــ حمارا كانت أم أتانا أو حتى جاموسة ــ يقفز من عليها نزولا وينحنى ليخلع بلغته إذا كان لديه ــ بلغة: أى لا مؤاخذة مداس ــ ويرفع يده عاليًا ومعها صوته «دستور يا أسيادى»، موجها النداء للأكابر الجالسين على الكراسى أو الكنب أمام الدوار الكبير! فدستور يا أسيادى عبدة النص الدستوري.. تعالوا نناقشها قطعة قطعة.. أو حتة.. حتة!

هل الدستور نص سماوى مقدس؟ وهل دستورنا مرن أم جامد؟! وهل الظروف التى وضع فيها الدستور وكذلك طريقة اختيار لجنة وضعه، وكذلك شخصيات اللجنة لا تحتمل الاختلاف ولا المناقشة؟ وهل الظروف تغيرت أم لم تتغير؟ وهل ما يحيط بالوطن من متغيرات ــ ولن أقول مخاطر حتى لا تستمر تهمة اتخاذ المخاطر شماعة للاستبداد ــ يستدعى مراجعة كل ما من شأنه التأثير على قدرتنا كشعب ودولة على التعامل مع هذه المتغيرات؟!

الإجابة معلومة، وفيها أن الدساتير ليست نصوصًا سماوية مقدسة، لأنه حتى المقدس السماوى وجد فى صفوف مقدسى النص الوضعى من ينادى بتجميده ونقده والاختلاف معه، بل وتعطيله! وإذا كان ذلك كذلك، فإن هناك العديد من المسوغات التى تبيح للمجتمع المصرى أن يراجع الوثيقة الأم الأساسية مراجعة موزونة تستجيب للضرورات التى هى فى شرع ربنا تبيح المحظورات!. لقد كنت وما زلت أتصور أن حكاية المدة الرئاسية فى ظل المتغير الجوهرى المهم الذى طرأ على موقع الرئاسة، وأعنى به أن الجالس فيه الآن إنسان لديه عزوف عن التأبيد فى الكرسى وعن الأبهة وعن الرحرحة فى ميت أبو الكوم أو فى شرم الشيخ.. إنسان يعرف طبيعة المهمة التى تحمّلها ويسابق الزمن ويقاوم المعوقات بكل ما أوتى من طاقة، هى حكاية ينبغى ألا تشتعل عليها المعارك، ناهيك عن حجم التحديات وحجم ما أنجز، وعندها وببساطة فمن الوارد أو من المقبول القول اتركوه يستكمل فى المدى الزمنى المناسب، والمهم أن يستمر الإنجاز بالوتائر نفسها. ثم إننى لا أتردد فى أن أشير إلى أن كثيرا من الدول، وفى حالات الحرب والتهديدات الخطيرة التى تتهدد وجودها، بما فى ذلك الكوارث والحروب الأهلية، تتجه من فورها لتعطيل العمل بالدستور وسن قوانين جديدة صارمة وقاطعة تجعل من المواجهة أمرا لا يحتمل لجاجة ولا ينتظر تنطعا. ومع ذلك وحتى تتضح الرؤية تماما ونعرف ما الذى سيتم، ما المانع أن يتوقف أسيادنا مقدسو النص الوضعي، ولو قليلا لالتقاط أنفاسهم وابتلاع ريقهم، ليقوم حوار وطنى موضوعى ومحترم لا يعتمد لغة الردح والتلقيح ولا نبرة الوعيد بالنهاية المحتومة، لأننا أمام تعديل لا يستهدف إطالة فترة بقاء شخص فى كرسى الرئاسة، لأنه مرتاح كده، ولكننا إزاء تعديل يعطى الفرصة لمزيد من الإنجاز بنفس الوتائر.. يعنى مزيدًا من العمل والإرهاق ومسابقة الزمن.. ومرة ثالثة دستور يا أسيادنا!.

نقلا عن الاهرام

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«دستور يا أسيادنا» «دستور يا أسيادنا»



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:02 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أردوغان يؤكد أن الأمم المتحدة عاجزة عن حل الصراعات في العالم
  مصر اليوم - أردوغان يؤكد أن الأمم المتحدة عاجزة عن حل الصراعات في العالم

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية
  مصر اليوم - دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 07:54 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F
  مصر اليوم - علاج جيني مبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 11:41 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025
  مصر اليوم - روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025

GMT 07:51 2020 الأحد ,27 كانون الأول / ديسمبر

حفل اللاعب البرازيلي نيمار يثير الجدل في البرازيل

GMT 12:05 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

مكافآت خاصة للاعبي أسوان عقب البقاء في الدورى الممتاز

GMT 14:23 2021 الإثنين ,06 أيلول / سبتمبر

تباطؤ التضخم السنوي في تونس إلى 6.2 % خلال أغسطس

GMT 21:51 2021 الإثنين ,14 حزيران / يونيو

غياب أحمد فتحي عن قائمة بيراميدز أمام سموحة

GMT 06:17 2021 الإثنين ,05 إبريل / نيسان

تعرف على أجمل الأماكن السياحية في جزر السيشل

GMT 17:45 2021 الخميس ,25 آذار/ مارس

جي ام سي تطرح تيرين فيس ليفت 2022
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon