بقلم: جيهان فوزى
فى يوم الأربعاء 15 سبتمبر 1982، وهو اليوم الذى أعقب اغتيال الرئيس اللبنانى «بشير الجميل»، قامت قوات إسرائيلية بقيادة وزير الدفاع آنذاك «أرئيل شارون» باحتلال بيروت ومحاصرة مخيمى صابرا وشاتيلا، بعد أن أخرج جميع أعضاء الفصائل المسلحة، وكان عددهم 14000 مقاتل من بيروت وضواحيها، وهم الذين كانوا يضمنون أمن وأمان المخيم وسكانه، وقد أكد الكثير من المؤرخين والصحفيين حينها أن شارون كان المحرض الأول على المجزرة، فقد قام الجيش الإسرائيلى وجيش لبنان الجنوبى بإنزال 350 مسلحاً من حزب الكتائب اللبنانية، بذريعة البحث عن 1500 مقاتل فلسطينى مختبئين داخل المخيم، وفى تلك الفترة كان المقاتلون الفلسطينيون خارج المخيم فى جبهات القتال، ولم يكن فى المخيم سوى الأطفال والشيوخ والنساء، وقام المسلحون الكتائبيون بقتل النساء والأطفال والشيوخ بدم بارد، وكانت معظم الجثث فى شوارع المخيم، ومن ثم دخلت الجرافات الإسرائيلية وقامت بجرف المخيم وهدم المنازل، ولم تخل هذه الجرائم من عمليات اختطاف جماعية دعمتها القوات الإسرائيلية، وبالتالى اختفاء العشرات الذين لا يزالون فى عداد المفقودين إلى يومنا هذا. وبعد مرور سبعة وثلاثين عاماً، ما زال ضحايا مجزرة «صابرا وشاتيلا»، التى تعتبر واحدة من أبشع المجازر فى تاريخ الشعب الفلسطينى، ينتظرون محاكمة المسئولين عنها، خصوصاً أن محاكمات عدة قد تمت لأشخاص اعتبروا مسئولين عن مجازر أخرى ارتكبت فى مناطق مختلفة من العالم مثل البوسنة والهرسك.
مذبحة «صابرا وشاتيلا» نفذت فى مخيمين للاجئين الفلسطينيين حملا اسمها فى 16 سبتمبر عام 1982 واستمرت ثلاثة أيام على يد المجموعات الانعزالية اللبنانية، المتمثلة فى حزب الكتائب اللبنانى، وجيش لبنان الجنوبى، والجيش الإسرائيلى، ولم يعرف بوضوح عدد القتلى، الذين تراوحوا ما بين (3500 - 5000) قتيل من الرجال والأطفال والنساء والشيوخ، أغلبهم من الفلسطينيين، وإن ظل بينهم لبنانيون، فى ذلك الوقت كان المخيم مطوقاً بالكامل من قبل جيش لبنان الجنوبى والجيش الإسرائيلى، الذى كان تحت قيادة أرئيل شارون ورافئيل إيتان، أما قيادة القوات اللبنانية فكانت تحت إمرة المدعو «إيلى حبيقة» المسئول الكتائبى المتنفذ، وقامت القوات الانعزالية بالدخول إلى المخيم وبدأت بدم بارد تنفيذ المجزرة، واستخدمت فيها الأسلحة البيضاء وغيرها، وكانت مهمة الجيش الإسرائيلى محاصرة المخيم وإنارته ليلاً بالقنابل الضوئية.
لقد روى مراسل (واشنطن بوست) ويدعى «جونثان راندال» فى كتاب حرب الألف سنة، أن المسلحين استخدموا فى وحشيتهم القنابل اليدوية والسكاكين والفؤوس، بقروا بطون الحوامل وقطعوا أجساد الأطفال إرباً - إرباً، ويستشهد الكاتب برؤيته أطراف طفل مقطعة وموضوعة حول رأسه!! يقول جونثان: «روى لى أحد القتلة بطريقة مقززة ومفتخراً، أطلقنا عليهم النار أمام الجدران وذبحناهم فى عتمة الليل»، وأكمل القاتل قائلاً: «إن عدد من قتلناهم فى المجزرة أكبر بكثير مما سمعتموه من المصادر الرسمية وستسمعون العدد الحقيقى يوماً ما إذا حفروا نفقاً للمترو فى بيروت»! وهو ما يؤكده الكاتب الصحفى الفرنسى «أمنون كابيلوك» فى كتابه (صبرا وشاتيلا) حيث قال: «إن مئات من سكان المخيمين شوهدوا أثناء اقتيادهم إلى عربات نقل أقلتهم إلى جهة مجهولة، حيث تم العثور فيما بعد على جثث السكان فى (كفر شيما والناعمة وعلى طريق المطار)، والغريب فى قول الكاتب أن أفراد الميليشيات المسلحة قد تناولوا الحشيش والكحول قبل دخولهم المخيمين بعد أن أضاء لهم اليهود الأنوار الكاشفة.!!
وتروى طفلة فلسطينية كيف أبادوا عائلتها، وكيف قطعوا أخاها الرضيع نصفين، فيما كتبت مجلة التايم الأمريكية أن مجزرة «صبرا وشاتيلا» لم تكن عملاً شاذاً إنما هى «عملية مدبرة»، تكشف عن تواطؤ المسئولين اليهود مع ميليشيات المسيحيين، فالمجزرة كانت نتيجة عملية حسابية طويلة نفذتها فرق من قوات الكتائب بقيادة «إيلى حبيقة» وشارون وقائد المنطقة الشمالية «أمير درورى»، وبمشاركة ضباط يهود خططوا لتمكين الكتائب من الدخول للمخيمات بعد الانتهاء من حصار بيروت الغربية. ونجحت المؤامرة وهنأ (رفائيل إيتان) قيادة القوات اللبنانية على نجاح المجزرة بناء على طلب من شارون، فقد تصادفت مع عيد رأس السنة العبرية.
هذا ما حدث للفلسطينيين، ولا يزال المشهد يتكرر كل يوم!.