بقلم : جيهان فوزى
يتساءل الغزيّون: كيف وصل الحال بهم إلى هذا المآل؟ فقر وبطالة وحصار ومرض مستمرة منذ سنوات دون أن تتغير ظروفهم، رغم مرورها بمحطات سياسية كثيرة وأربع حروب طاحنة، السياسة فشلت فى تحسين أحوالهم أو الالتفات إلى أوجاعهم على كثرتها، بينما الحروب دمرت ما تبقى من أمل فى خلاص قريب. تتوالى الأعياد عليهم لتشعرهم بالعجز والحاجة وقلة الحيلة، يتجولون فى الأسواق والتجهّم يكسو وجوههم اليائسة ولسان حالهم يقول من أين يأتى الفرج؟ من سلطة عباس، أم حكومة حماس؟ وكلاهما فقد شرعيته الوطنية، طوّقت الأحزان حياتهم بعد أن خذلتهم قياداتهم وفشلت فى صنع المستقبل الواعد الذى مُنوا به، مؤخراً بات الحديث عن تهدئة بين إسرائيل وحماس حديث الشارع، أملاً أن تسترد غزة عافيتها بإعادة الإعمار وإقامة مشاريع اقتصادية واستثمارية وبنى تحتية، ظاهر الأمر يبدو بارقة أمل للجانبين، خشية انجرارهما إلى معركة واسعة باهظة التكلفة، لكن المفاوضات حول التهدئة ووقف إطلاق النار بين الجانبين برعاية مصرية وأممية يعترضه العديد من العقبات وعلى رأسها معارضة شديدة من اليمين الإسرائيلى والسلطة الفلسطينية. هناك شعور فى أوساط الإسرائيليين بأن حماس انتصرت واستطاعت إرضاخ القيادة السياسية فى إسرائيل من خلال مسيرات العودة والطائرات الورقية، فهى من تدير السياسة الإسرائيلية من حكومة وجيش، فمشاهد الحقول المحترقة أعطت درساً لمن أراد استخلاصه من الإسرائيليين تمهيداً لردعهم والانتقام منهم، وتقف السلطة الفلسطينية فى جبهة المعارضة الشديدة لاتفاق التهدئة، لأنه يتجاوز شرعيتها ويعطى شرعية واعترافاً واضح بحماس.
رغم معارضة غالبية الإسرائيليين لتوقيع اتفاق التهدئة فى قطاع غزة مع الفصائل الفلسطينية وتحذير رئيس الشاباك من مخاطرها على إسرائيل، غير أن ليبرمان ونتنياهو ماضيان فى تنفيذها، ومع ذلك فإن خيار التهدئة طويلة المدى لا يمكن تحقيقه فى ظل الظروف الحالية، حيث إن التهدئة ستتضمن رفع الحصار عن غزة وإعادة إعمارها وإعادة السلطة الفلسطينية لتتصدر الحكم فى غزة، والتى ستتضمن أيضاً صفقة تبادل أسرى للإفراج عن الأسرى الإسرائيليين المعتقلين لدى حماس فى غزة والتى ستكون مشروطة بمنع استمرار تعاظم قوة حماس العسكرية. من هذا المنطلق يقف أمام التهدئة الطويلة مع حماس ثلاث عقبات، الأولى: «حماس»، التى لن تتنازل عن ذراعها العسكرية بما فى ذلك وقف تعزيز وتعاظم ترسانتها العسكرية، والثانية: السلطة الفلسطينية التى ترفض العودة لتصدّر الحكم فى غزة، أما الثالثة فإن حماس تضع شروطاً غير مقبولة لعقد صفقة تبادل أسرى مع «إسرائيل»، لذا يظل الخيار الثانى حاضراً، وإن كان مستبعداً، وهو خيار الحرب أو العملية العسكرية واسعة النطاق التى سيتخللها إطلاق الصواريخ طويلة وقصيرة المدى على البلدات والمستوطنات الإسرائيلية المتاخمة للحدود، وفى المقابل ستضرب إسرائيل مئات الأهداف التابعة لحماس والعودة لسياسة الاغتيالات، التى وافق عليها الكابينت قبيل الدخول فى مفاوضات حول التهدئة، بالإضافة إلى تنفيذ مناورات برية داخل أراضى القطاع بحجم أكبر مما كان عليه الحال خلال حرب 2014، وكلا الطرفين، إسرائيل وحماس، غير مستعدين للدخول فى مثل تلك المواجهة العسكرية، لذا فإن تعثّر المساعى للتوصل لتهدئة طويلة وفى ظل رغبة الطرفين بعدم الدخول فى حرب جديدة، فإن المناورة السياسية المقبلة بين إسرائيل وحماس ستدور بين ثلاثة خيارات تخيم عليها الضبابية، الأول وقف إطلاق النار، والثانى جولة تبادل رسائل نارية، والثالث تسوية جزئية. إن الحديث عن تهدئة حقيقية يظل من أحلام اليقظة التى يحلم بها الغزيّون، مثلما يحلمون بعيدٍ تهب نسماته عليهم، وهم يرفلون بالحرية والاستقرار.
نقلًا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع