بقلم : جيهان فوزى
نحن نعانى من مشاكل ذات نوع جديد، مشاكل جيل يفكر ويفسر لكنه لا يتعمق ولا يتثقف، جيل يطارد أشباح التكنولوجيا لكنه لا يبذل جهد البحث والتأمل والتفتيش عن الحقيقة، جيل يتحامل على المجتمع وينقم على سلوكه المتناقض ويرفض تفكيره المستسلم المتخاذل فيعصى كل ما هو مألوف ويتمرد على كل الأعراف، نحارب التطرف وبذرة التطرف غرست فى عقول أولادنا سواء كانت بالجنوح نحو التشكيك والعبث فى الثوابت، أو الإغراق فى التدين دون تفكير، وبين هذا وذاك تاهت الوسطية وتوارى الاعتدال فى خضم صراعات الطرفين لتخرج أفكار مشوهة مبتسرة لا تملك أرضية راسخة، وبينما ننشغل باللهاث خلف مشاكل الحياة وصعوباتها نصطدم بجدار أصم من شطط الأفكار وتوغلها فى عقول أبنائنا، نقف عاجزين عن مجاراتها رفضاً أو قبولاً.
نصاب بصدمة التغيير الذى اكتسح السلوك والتصرفات فى رحلة البحث عن الذات وتكوين الشخصية، بين ما يصدره الغرب من ثقافة وأفكار تبدو براقة، وبين معتقداتنا وثقافتنا وأخلاقنا التى نشأنا عليها وسرنا على خطاها فضاعت الهوية وتشتتت القيم فى صراع الممكن والمستحيل، ظاهرة الانجراف نحو التحرر من كل قيود المجتمع باتت تشكل تهديداً لكل بيت، عاصفة عاتية لا يعرف رب البيت تطويعها أو إعادة تشكيلها، وأصبح الهدف كيفية المحافظة على المتبقى من الثوابت، الغرب يصدر أسوأ ما لديه عامداً متعمداً، حقيقة نعلمها جيداً لكن الاختيار يبقى لنا أن نفتح أبوابنا أم نغلقها أمام هذا الطوفان الذى لا يريد لنا خيراً، بل يسعى لفرض إرادته وتشويه إرادتنا.
فى ثمانينات القرن الماضى صدر كتاب بعنوان «سادة السحر الأسود» يتحدث عن تجربة المخابرات الأمريكية فى تطويع الجنود الأمريكان فى الحرب على فيتنام، وكيف عملت المخابرات الأمريكية بكل وسائل التكنولوجيا على غسل وبرمجة عقول الجنود بما يتوافق ومصالحها لتحولهم إلى مجرمين معدومى الإحساس قاتلين بلا رحمة ولا تفكير حتى تتمكن من كسب المعركة، يشرح الكتاب كيفية الدخول إلى العقل البشرى وتطويعه دون أن ينتبه الشخص بأنه يبرمج وتغسل دماغه للوصول إلى الهدف، وبعد عقود من صدور الكتاب ما زال الغرب يتبع نفس الوسائل إذا كان الهدف تحطيم إرادة شعب وتقزيمه وانهيار ثوابته، ربما نستخف بما يحدث الآن، بما يدور فى أذهان شبابنا من أفكار وسلوكيات ونعتبرها من متطلبات المرحلة الضبابية التى نعيشها، صحيح أن هناك العديد من العوامل التى تجعل من شبابنا أسرى لأى فكر يريح هواجسه، غير أن الوعى بما يحاك من حولنا بات ضرورة ملحة، بالتوعية والتنوير والبحث والقراءة والتحرى والاطلاع على الثقافات المتنوعة، لأن انهيار المجتمع يبدأ بانهيار قيمه وثوابته وضياع هويته، والشريحة الأكثر تأثراً وتأثيراً هى الشباب، لا يكفى تشريع القوانين الرادعة لأنها أثبتت فشلها أو الحبس على الفكر بدعوى إشاعة البلبلة وتكدير السلم المجتمعى لأنها غير كافية لترسيخ قيم ومعتقدات يتمرد عليها أصلاً، فهو جيل خرج من رحم الضياع والتناقض وفساد المناخ السياسى والاجتماعى.
نقلًا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع