بقلم : جيهان فوزى
«نرحب بالورقة المصرية.. لكننا نعتبر تمكين الحكومة أولاً مدخلاً للخطوات اللاحقة».
ملخص ما أبلغه وفد حركة فتح إلى مصر، مشيراً إلى قلق السلطة الفلسطينية الشديد من الذهاب إلى التهدئة، وما يسمى بالمشاريع الإنسانية، قبل إنجاز ملف المصالحة، معتبراً ذلك «مدخلاً أمريكياً - إسرائيلياً لما يُسمى بصفقة القرن الرامية إلى اتخاذ قطاع غزة مركزاً للحل السياسى». وتعهّد وفد «فتح» بتقديم رد على الورقة المصرية سريعاً. وأن الرد سيكون «نعم ولكن».
منذ سنوات، وهذا الملف الشائك يستعصى على الحل، الآن وفى ظل التداخلات السياسية المتشعبة المصالح يدخل ملف المصالحة الفلسطينية منطقة الخطر، فإما الانفصال التام والطلاق البائن بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وإما حصول المعجزة والتئام الوحدة التى انتظرها الشعب الفلسطينى طويلاً. المؤشرات تؤكد أن هناك عقبات جمة تعترض طريق المصالحة، الرئيس محمود عباس يتمادى فى عناده، ويهدد بفرض العقوبات الأكثر حدة فيما لو وقعت «حماس» اتفاق التهدئة مع إسرائيل. والعقوبات الجديدة تتخطى وقف الرواتب المقتطع منها أصلاً، وتمويل الوزارات، إذ سيتقرر وقف عمل سلطة النقد فى غزة، وهو ما يعنى إقفال جميع البنوك والمصارف فى القطاع، الأمر الذى سيشل الحركة التجارية كلياً، ويوقف الحوالات المالية من غزة وإليها، بما سيؤثر أيضاً فى حركة الاستيراد، ويشل الاقتصاد فى القطاع بالكامل.
الرئيس محمود عباس غاضب من مصر، ويعتبر وساطتها بين حماس وإسرائيل تدخّل يضر بالمصلحة الوطنية الفلسطينية، ومن هنا يماطل ويسوف بين النعم ولكن! دوافع مصر تأتى فى سياق الدفاع عن الأمن القومى، وحماس تسابق الزمن لوضع اللمسات الأخيرة لإنجاز التهدئة، فهى مصلحة من شأنها إعطاؤها هدنة لالتقاط الأنفاس وترتيب أولوياتها، وقطر تدخل على خط الأزمة كوسيط سرى بين الطرفين محمّلة بوعود استثمارية بالمليارات، من خلال إنشاء ميناء يربط غزة بقبرص ومطار فى إيلات يخصّص لسفر سكان غزة إلى قطر وتركيا.
وبين النعم ولكن، الفصائل الفلسطينية غير متحمسة للتهدئة مع إسرائيل، لأنها تعتبرها خطأً استراتيجياً يهب الاحتلال المزيد من الوقت لنهب الأرض وتزييف الواقع وترميم وجهه القذر، ولأنها سبب فى ضرب مبدأ التعامل مع الوطن كوحدة سياسية وجغرافية واحدة، وأن المقاومة حق وطنى وشعبى، يُقرر بشأنها وطنياً.
إن التصريحات المتضاربة حول التهدئة بين حركة حماس وإسرائيل أحدثت فوضى وبلبلة واتهامات متبادلة. فتح تتهم حماس بأن لديها كل المعلومات عن الوساطات غير العربية والمكلفة من قِبل قيادة حماس للقبول بدولة ذات حدود مؤقتة فى المرحلة السابقة وموقفها الحالى الساعى لمشروع دويلة غزة، التى ستكون تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة على الموانئ والمعابر، أو عن طريق التنازل عن السيادة الفلسطينية من خلال القبول بمشروع ميناء أو مطار، وحماس ترد عليها بأن السلطة تسهم فى حصار غزة وترفض الإغاثة الإنسانية لسكانها المحاصرين، وبين هذا الاتهام وذاك، شعب محشور بين الحطام يأكل الحصرم الذى حصده من سياسات الطرفين البعيدة كل البعد عن المصلحة الوطنية التى أدى الشقاق فيها لأن تعيش إسرائيل أزهى مراحل استقرارها، مما جعلها تغير من خططها الاستراتيجية التى كانت تعتمد على التطبيع مع الدول العربية من خلال البوابة الفلسطينية، لكن، وفى ظل ما يجرى من صراع، أصبح الوصول للمحيط العربى بعيداً عن الاهتمام بحل المعضلة الفلسطينية، أسهل وأفضل!..
نقلًا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع