بقلم - جيهان فوزى
تجيد إسرائيل تلميع نفسها من خلال الآلة الإعلامية، صفحة الناطق باسم الجيش الإسرائيلى «أفيخاى أدرعى»، التى تجاوزت آلاف المتابعين، وزادت شهرتها فى السنوات الماضية مثال على ذلك، قرر «أدرعى» مشاركة العرب مناسباتهم الوطنية والدينية والاجتماعية وحتى أزماتهم الاقتصادية والنفسية، ورغم ذلك لم يحظ «أدرعى» بالتأييد المنشود، فهناك كثيرون يقفون له بالمرصاد ويتصدون لأكاذيبه وتزويره، خاصة إذا ما تعلق الموضوع بالفلسطينيين، ورغم ذلك فإن صفحات إسرائيلية عدة أنشئت فى الواقع الافتراضى لتخاطب العرب وتتقرب منهم، وتمدهم بالمعلومات المغلوطة التى تتسق من رواية الاحتلال الإسرائيلى، أملاً فى تبييض صورته وتبرير أفعاله التى ترقى إلى جرائم الحرب، ومن هذا المنطلق فإن لدى وزارة الخارجية الإسرائيلية موقعاً بالعربية وصفحة فيس بوك وتويتر بالعربية أيضاً، وهى ليست الوحيدة، ففى السنوات الأخيرة نلاحظ قفزة كبيرة فى عدد الصفحات الرسمية الناطقة بالعربية وليست موجهة فقط لمليون ونصف المليون عربى فى إسرائيل، إنما للعالم العربى ككل، ولعل أشهر تلك الحسابات هى «أفيخاى أدرعى» الناطق بلسان الجيش الإسرائيلى بالعربية، والمنسق «وأوفير جندلمان» المتحدث بلسان رئيس الوزراء بالعربية، بالإضافة إلى صفحة شرطة إسرائيل بالعربية، وصفحة وزارة التربية، وصفحات متنوعة لمكاتب رسمية بالعربية. وتنشط هذه الصفحات فى أوقات الأزمات والمواجهات، لأنها تعبر عن وجهة النظر الرسمية الإسرائيلية، ومن جهة أخرى تقدم تعليمات وخدمات للمتلقى مثل صفحة «المنسق» فى الأراضى الفلسطينية.
صفحة «المنسق» أصبحت لافتة للنظر بشكل كبير فى الآونة الأخيرة، وتجاوزت ردود فعل الفلسطينيين بالتفاعل معها كل الخطوط الحمراء، نظراً للتسهيلات التى تقدمها، خاصة فيما يتعلق بالعمل داخل إسرائيل، فى ظل الحصار والعزلة والبطالة والفقر المدقع الذى وصلت نسبته إلى 70% فى غزة. تهتم هذه الصفحة بالرد على استفسارات المواطنين بشأن العمال وتصاريح العمل والسفر والخدمات وغيرها، وكان من المدهش أن تلاقى الصفحة رواجاً كبيرا بين رواد التواصل الاجتماعى فى قطاع غزة، واختيارها نموذجاً يثنى عليه! حيث يدخلون على صفحة «المنسق» ربما أكثر من صفحاتهم، لمتابعة كافة القضايا المتعلقة بحياتهم. ردود الفعل والتعليقات التى يرددها الفلسطينيون فى صفحة «المنسق» عبر «فيس بوك»، تدعو إلى وقفة جادة من المسئولين الفلسطينيين، والإحساس بالخطر مما يحدث، ولماذا يحدث؟ ليصل الأمر إلى الإعجاب والتقدير والثناء على المنسق الإسرائيلى! فلا بد من حل لكبح جماح هذه العقول التى اقتنعت لدرجة المديح بمنسق حكومة الاحتلال الإسرائيلى؟! على تسهيلات هى فى الأصل حق للشعب الفلسطينى للعمل بكرامة فى أرضه ووطنه؟! لكن المسئولية لا تقع على عاتق المواطنين فقط، وربما نلتمس لهم العذر بعد التضييق عليهم فى معيشتهم وحياتهم، فلم يجدوا مفراً من اللجوء إلى «المتنفس الخبيث» الذى يبحثون من خلاله عن راحتهم، واستقرار حياتهم، وهى الخديعة الكبرى التى يمارسها الاحتلال الإسرائيلى لتجميل صورته، ويلامس من خلالها مشكلات وأزمات المواطنين وإيجاد الحلول والتسهيلات لهم، وفى الوقت الذى يحاول فيه «أفيخاى أدرعى» ترويج رواية الجيش الإسرائيلى، ويتقرب من المجتمعات العربية ويحشر أنفه فى كل كبيرة وصغيرة تخص العرب والمشاهير والفنانين والأعياد الوطنية، والمناسبات الدينية التى يختتم التهنئة بها بآيات قرآنية، غير آبه بتزويره للحقائق، يكذب ويتجمل، وينشر الأكاذيب بثقة ووقاحة، خاصة فى وقت الحروب والأزمات، والعدوان الممنهج الذى تشنه قوات الاحتلال الإسرائيلى على الفلسطينيين، أصبحت صفحة «المنسق» متنفساً أيضاً لكل طالب إعانة أو حل لمشكلة تتعلق بلقمة العيش.
فمنذ سنوات والاحتلال الإسرائيلى يوجه بوصلته لمتابعة مواقع التواصل الاجتماعى، عبر صفحات افتراضية، أو جهات ناطقة باسم جيش الاحتلال، وتحديداً صفحة أفيخاى والمنسق، وفى الآونة الأخيرة تفاعل عدد كبير من الشباب الفلسطينى والعمال بهذه الصفحات، ظناً منهم أنها تعود عليهم بالنفع أو تزيد من التسهيلات، وتزيل العقبات، هدف الاحتلال الإسرائيلى من هذه الصفحات ابتعاد الشباب عن التمسك بالمقاومة، لأنهم الأكثر انتماء وحماساً لها وإيماناً بها، كى يلتفت للقمة العيش، ويبتعد عن النضال، لذا يجتهد الاحتلال بالعمل على حملة تزييف الواقع وتضليل الوعى، مستغلاً الثقافة الفلسطينية والمناسبات الوطنية والدينية، ليبدأ بكسر حاجز انعدام الثقة بينه وبين الشعب الفلسطينى، ومن خلال تضييق الخناق على قطاع غزة، يصبح الاحتلال ذاته بعد ذلك، هو منفذ التسهيلات والتفاهمات وغيرها، ومن خلالها يتم الترويج لهذه الصفحات، والإشادة بإنجازات الاحتلال -الذى يدس السم فى العسل- بالعمل على مساعدة الفلسطينيين وإيجاد الحلول لأزماتهم المعيشية القاسية. قد لا يكون المشيدون بصفحات المنسق كثيرين، لكن مع ضغوط الحياة وقسوتها قد تتحول إلى ظاهرة لا نتمناها. مطلوب من المسئولين الانتباه ومحاولة الوقوف على هموم وأزمات الناس ومعالجتها بشكل حقيقى، وشىء من الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعى حتى لا يخرج الوضع عن السيطرة. الاحتلال الإسرائيلى لا يقدم خدمات مجانية للفلسطينيين، بل يشن حرباً نفسية عبر صفحاته المشبوهة مثل صفحة المنسق، التى يحاول من خلالها اختراق المجتمع الفلسطينى وتغيير توجهاته وأولوياته، وبث سمومه ومحاولة صنع التفرقة بينهم.