بقلم - جيهان فوزى
قصة ليلى والذئب على لسان حفيد الذئب: «كان جدى ذئباً لطيفاً طيباً، ولا يأكل اللحوم، ولذا قرر أن يكون نباتياً، وكانت تعيش فى الغابة فتاة شريرة تسكن مع جدتها اسمها ليلى، كانت ليلى كل يوم تخرج إلى الغابة، وتقتلع الزهور وتدمر الحشائش التى كان جدى يقتات عليها، وكان جدى يحاول أن يثنيها عن ذلك دون جدوى، فكانت ليلى تعاند وتقطع الحشائش، فقرر جدى الذئب أن يزور جدة ليلى فى بيتها ويخبرها بأفعال ليلى، وعندما طرق الباب فتحت الجدة لكنها للأسف كانت شريرة أيضاً! فأحضرت الجدة العصا وهجمت على جدى المسكين دون أن يتعرض لها، فدافع عن نفسه ودفعها بعيداً عنه، فسقطت الجدة، وارتطم رأسها بالسرير وماتت الشريرة! فتأثر جدى كثيراً وأخذ يفكر بليلى كيف تعيش دون جدتها! فقام ولبس ملابس الجدة ونام فى سريرها، لكن ليلى الشريرة لاحظت التغيير فى شكل جدتها، فخرجت تصرخ وأخذت تنشر الإشاعات إلى يومنا هذا بأن جدى الذئب أكل جدتها»!
هذا بالضبط ما يحدث وينطبق على حالنا اليوم. فى عالم متخم بالإشاعات والفوضى والإثارة، لمجرد حصد اللايكات والمشاهدات والتفاعل مع أتفه الأخبار. فى الآونة الأخيرة انتشرت الشائعات حول العديد من القضايا التى هزت الرأى العام، وأثارت الفضول فى المجتمع، تتناقلها مواقع التواصل الاجتماعى من زوايا مختلفة، كل حسب أفكاره ومعتقداته وثقافته، وتحولنا فى لحظة إلى بالون ممتلئ بالأخبار المشوهة المضللة، وتاهت الحقيقة.
صحيح أن قانون النسبية هو المحرك الأساس فى نقل المعلومات والحقائق، غير أن البحث الحثيث وراء الحقيقة المجردة فى عالم متخم بالإشاعات والفوضى أصبح ضرباً من المستحيل، كيف يمكن الوصول إلى الحقيقة دون رتوش فى قضايا هزت الرأى العام، ودون وضع النكهات والمحفزات المثيرة لتظل متداولة أكبر وقت ممكن؟ تلك هى المعضلة التى نواجهها فى عالم مفتوح وفضاء بلا حدود، مثلما تجمع خيوطه المعلومة الصحيحة، تختلط فيه الحقائق، وتنتشر بوجوه كثيرة، وتُتداول من زوايا مختلفة، وهو ما جعل الكثير من القضايا المجتمعية الملحة مشوهة ومبتورة، والأغرب أنها جعلت من الجانى مجنياً عليه! والضحية مثار شكوك وتأمل ونبش فى ماضيها، حتى نصل إلى ثغرة تدينها، وهو ما حدث مع «نيّرة أشرف» فتاة المنصورة ضحية زميلها «محمد عادل»، الذى نحرها فى وضح النهار، وللأسف وجد من يتعاطف معه ويبرر فعلته، ليس من المواطنين العاديين فقط، ولكن من صفوة المجتمع! فكيف تستقيم الأمور فى ظل هذا التخبط والانحراف عن بوصلة الحقيقة المجردة؟!
عندما تتناقل وسائل الإعلام أخباراً مفادها قبول المحامى فريد الديب الدفاع عن قاتل فتاة المنصورة، وهو رجل قانون محنك، يعرف كيف يختار قضاياه، ولا يوجد فيها احتمال الخسارة! يصبح الأمر غريباً ومثيراً للدهشة والحيرة، مجرد قبول الديب الدفاع عن قاتل نيرة يعنى أنه مقتنع بأن هناك ما دفعه للقتل، ولن أقول مقتنع ببراءته، ما يعنى أننا نعيش فى زمن شريعة الغاب، تساءلت كثيراً بينى وبين نفسى عن ماهية الدفوع التى سيقدمها الديب للمحكمة كى يبرئ ساحة القاتل، رغم ثبوت الأدلة وشهادة الشهود، وفيديوهات توثيق الجريمة؟! ما هو سلاحه المنتظر الذى سيشهره فى وجه الجميع، ويقينه وقناعته بالدفاع عن هذا القاتل؟ الحقيقة لم أجد فى سريرتى ولا ضميرى ما يمكن أن يستند عليه فريد الديب أمام المحكمة، غير أن الأيام ستفاجئنا بالكثير من الوقائع.
لم يقتصر الأمر على قضية «نيرة أشرف»، بل امتدت وتدحرجت مثل كرة النار على جريمة مقتل المذيعة «شيماء جمال» وما أحيط بها من غموض وبلبلة، وما أثير حول الزوج والمقاول وذوو النفوذ، ووو.. الكثير من الإشاعات واللغط، لتختفى الحقيقة «غير المنحازة» تماماً عمن يبحث عنها دون إضافات أو إثارة تخضع لمعايير الذين تبنوا إشاعتها ونشرها، سواء على وسائل السوشيال ميديا أو القنوات الفضائية أو غيرها ممن يعشقون الفضائح، والتفتيش فى النوايا، والنهش فى الحياة الشخصية.
المجتمع يعيش فى حالة ارتباك شديد لم يحدث فى تاريخه، والأخطر حالة الفوضى والتخبط التى أوصلت شريحة منه إلى التعاطف مع القاتل ومهاجمة الضحية والخوض فى عرضها، ووصلت إلى التبرع بملايين الجنيهات للدفاع عن القاتل ونجاته من حبل المشنقة، وكأن التفتيش فى حياة الضحية والبحث عن الأسباب القوية من وجهة نظر البعض يعطى الحق لأى أحد بالقتل لمجرد أن هناك ما لا يعجبه فى شخص ما؟!
المجتمع ينهار شيئاً فشيئاً، القيم والأخلاق العامة أصبحت ذات معايير مختلفة، ومُختلف عليها، لم يعد هناك حقيقة واضحة، ولا رواية ثابتة، ولا ضمير يتحرى الدقة قبل الخوض فى الأعراض، أصبحنا نصدر الأحكام كما يحلو لنا، دون حساب العواقب على أصحاب القضية، أو حق المجتمع الذى يتأثر بالإشاعات، وانتشار الفوضى. أصبح تداول الحقيقة فى مجتمعنا مثل حقيقة الذئب الذى تحول إلى نباتى من وجهة نظر عائلته!