بقلم:جيهان فوزى
كشف رئيس وحدة الشئون الفلسطينية بالسفارة الأمريكية فى القدس «جورج نول»، جوانب من اللقاء الشخصى الذى جمع بين الرئيسين جو بايدن ومحمود عباس فى بيت لحم، قائلاً إن الرئيس الأمريكى أكد أن مطالب السلطة الفلسطينية تحتاج إلى «صانع المعجزات» لتحقيقها!!. وقال نول فى لقاء مع عدد من الصحفيين الفلسطينيين، الأسبوع الماضى فى رام الله، إن «الرئيس محمود عباس قدم للرئيس جو بايدن فى لقائهما قائمة طويلة من المطالب». وأضاف أن بايدن رد على هذه المطالب بالقول «هذه أشياء تحتاج إلى السيد المسيح، صانع المعجزات كى يحققها».
رد الرئيس الأمريكى على مطالب رئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس، يلخص بوضوح دون التباس السياسة الأمريكية المنظورة والمستقبلية تجاه القضية الفلسطينية، فقد أصبحت الثوابت والحقوق الفلسطينية التى يطالب بها الفلسطينيون منذ بدء المفاوضات مع إسرائيل بعد مؤتمر مدريد عام 1990، مجرد أوهام فى عقولهم، وأحلام لن تتحقق إلا بمعجزة إلهية. وأن كل السجالات والتصريحات المرسلة للمسئولين الفلسطينيين أصبحت مجرد لغو لا طائل منه، وأن إسرائيل واثقة من خطواتها والولايات المتحدة تدعمها مهما تجاوزت فى أفعالها ومارست من سياساتها العنصرية والتهجيرية للسكان الفلسطينيين فى الضفة الغربية والقدس الشرقية بما فيها التوسع الاستيطانى الذى غير تضاريس الخريطة الجغرافية، كل ذلك لن يشفع للفلسطينيين بالحصول على حقوقهم التى أقرتها الشرعية الدولية والقوانين الأممية، وهو ما أكده «نول» عندما قال: إن الرئيس الأمريكى جو بايدن «شعر فى زيارته للبلاد بتعاطف كبير مع الفلسطينيين، وشعر بآلامهم الناجمة عن الاحتلال الإسرائيلى، لكن هناك حدوداً لما يمكن لواشنطن القيام به للضغط على إسرائيل لإنهاء هذا الاحتلال». لافتاً إلى أن «واشنطن ضد الاحتلال وضد الاستيطان؟، لكن هناك من يعتقد أن الولايات المتحدة قادرة على رفع الهاتف ومطالبة إسرائيل بالقيام بكذا وكذا، أنا أتمنى لو كان الأمر على هذا النحو، لكنه ليس كذلك». ورغم أن الرئيس بايدن أقر وأعاد التأكيد فى هذه الزيارة على موقف واشنطن الداعى إلى «حل سياسى» تفاوضى على أساس حل الدولتين على حدود عام 1967، وعلى إيجاد حل توافقى بشأن القدس، ووقف الاستيطان، وحصول الفلسطينيين على إجراءات متساوية مع الإسرائيليين «خاصة فى الكرامة والحرية والحركة والازدهار». إلا أن تلك التصريحات ما هى إلا ذر للرماد فى العيون، فقد عاد وأكد ضرورة تحسين الوضع الاقتصادى للفلسطينيين، وكأن القضية الفلسطينية تنحصر فى تحسين أوضاع الفلسطينيين الاقتصادية فقط، بينما لا حقوق لهم فى السيادة والحدود وإقامة دولتهم المستقلة.. (إن الجانب الأمريكى يعمل مع الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى فى هذه المرحلة على «تحسين شروط حياة الفلسطينيين فى انتظار أجواء سياسية تسمح بإطلاق عملية سياسية ذات مغزى). فقد أشار فى هذا الصدد إلى أن تحسين شروط الحياة والاقتصاد أمر بالغ الأهمية للفلسطينيين، وإن كان لا يغنى عن الحل السياسى الذى ينهى الاحتلال. ما يعنى أن أقصى ما تستطيع تقديمه الولايات المتحدة للفلسطينيين هو تحسين ظروفهم الحياتية والاقتصادية البائسة، بسبب الحصار وتضييق الاحتلال على السفر وتنقلات السكان بين بلداتهم وأماكن عملهم!
لقد كان الفلسطينيون يأملون فى أن يفى الرئيس الأمريكى بوعده بإعادة فتح قنصلية للفلسطينيين فى القدس الشرقية المحتلة بعد أن أغلقها سلفه دونالد ترامب فى عام 2019، فيما تعارض إسرائيل بشدة إعادة فتحها. كما يطالب الفلسطينيون بالجزء الشرقى من مدينة القدس عاصمة لهم. فعلى مدى عقود، أيد بايدن علناً الاعتراف بالجزء الغربى من القدس عاصمة لإسرائيل ثم قال إنه لن يتراجع عن قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب! وهذا يعنى أن الرئيس الأمريكى لن يقدم على أى خطوة فى اتجاه تقدم المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية حول مفاوضات الحل النهائى، كما أن بايدن لم يعرض أى خطة موضوعية لمعالجة مسألة الاحتلال الإسرائيلى، حتى إنه تجاوز موضوع التوسع الاستيطانى فى الضفة الغربية، وهى قضية سلطت الضوء عليها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما الذى كان بايدن نائبه. ومع ذلك أعلن فريق بايدن عن خطوات لإيصال الإنترنت من الجيل الرابع 4G فى الضفة الغربية وقطاع غزة الذى تحاصره إسرائيل تلبية لمطلب قديم للفلسطينيين عارضته إسرائيل مراراً. وهى خطوة تندرج تحت عنوان تحسين الأوضاع الاقتصادية البائسة للفلسطينيين، التى يتبناها بايدن بكل وضوح! لكن ليس من ورائها أفق سياسى ولا حل يقضى بإنهاء الصراع الفلسطينى - الإسرائيلى القائم منذ أكثر من سبعين عاماً. بينما ذكرت مصادر فلسطينية مقربة، أنه «لم يكتب النجاح لمحاولات إصدار بيان مشترك بين بايدن وعباس لأن الطرفين لم يتفقا على الصياغة»، الأمر الذى يعنى أن إدارة جو بايدن مثلها مثل الإدارات الأمريكية السابقة لا يمكن الرهان عليها، أو انتظار الحل السحرى من خلالها، وأن الطريق إلى القدس وإعلان الدولة الفلسطينية ما زال طويلاً، والوصول إلى نهايته مرهون بحدوث معجزة إلهية.