بقلم : جيهان فوزي
يُلقى كاتب الخيال العلمى الأمريكى «كيم ستانلى روبنسون» فى مقال له بعنوان «فيروس كورونا يعيد كتابة خيالنا» باللوم على البشر فيما يحدث من جائحة كورونا التى شلت العالم عن التفكير والحياة أيضاً قائلاً: «لقد تأخرنا كثيراً بأشكال مختلفة عن هذا التحول. كنا معزولين فى مشاعرنا عن الزمن الذى نعيش فيه، فنحن فى ظل التأثير البشرى على جيولوجيا الأرض، أو التسارع الكبير، أو عصر تغير المناخ، مهما كان الاسم الذى تريد إطلاقه، لم نتوافق مع المحيط الحيوى، ونهدر آمال أطفالنا فى الحياة الطبيعية، وندمر رأس مالنا البيئى، كما لو كان الدخل المتوفر تدمير منزلنا الوحيد والمتاح، بشكل يتجاوز قدرة أحفادنا على الإصلاح. وكنا نتحرك بالرغم من ذلك كما لو كنا فى فترة 1990 و2000، حيث كانت ترتيبات الليبرالية الجديدة التى شُكلت فى تلك الفترة لا تزال منطقية. لقد أصابنا الشلل، نحن نعيش فى العالم دون أن نشعر به».
طوال عقود انشغل الإنسان عن البيئة بتدميرها عبر التقدم التكنولوجى الهائل الذى كان سبباً فى تلوثها وتغير ملامحها وخصائصها، فغفل قاصداً أو مستهتراً، عن غضب الطبيعة وانقلابها عليه فى وقت ما، أوهمه غروره وجبروته بأنه الأذكى والأقوى، وفى لحظة اختبار دقيقة وحاسمة، ظهر ضعفه وعجزه أمام فك شفرة فيروس «أدّب» العالم بكل علمه وتقدمه وقوته وطغيانه! حين تجبر الإنسان على البيئة الطبيعية التى يعيش فى فلك قوانينها وتمرد عليها، فاجأته بأنها تستطيع إهلاكه وتشتيت قواه وإرباك أنظمته الاقتصادية والسياسية، حتى إن الأدباء المتخصصين فى أدب الخيال العلمى عجزوا عن التخيل أو استنباط ما يمكن أن يحدث مستقبلاً لهذا العالم الذى أثبت أنه قرية صغيرة على اتساع مساحته الممتدة على طول وعرض الكرة الأرضية.
وفى خضمّ استكشاف القادم، تتسابق الدول فى حرب إنتاج اللقاح لهذه الجائحة، وسط تضارب فى المعلومات، فمنها من يؤيد نظرية المؤامرة وأن «كوفيد 19» مخلَّق فى المختبرات، ومنها المتشكك فى هذه النظرية، فلم يثبت حتى الآن فى المختبرات العلمية ما يؤكد ذلك، غير أن الأهم فى هذه الحرب الآن ليس المتسبب فى إنتاج الفيروس، سواء كان الطبيعة أم الإنسان، وإنما كيفية السيطرة عليه وإنقاذ البشرية من شراسته وفتكه. تعمل الدول الكبرى جاهدة على أن يكون لها هذا الفضل من خلال عملية التسريع بإنتاج اللقاح، رغم تحذيرات منظمة الصحة العالمية من أن أى لقاح لن يكون جاهزاً قبل عام على أقل تقدير، لكن الدراسات التى تتداولها وسائل الإعلام يومياً، وهى بالمئات، تحاول بث الأمل وسط ضبابية المشهد، هناك مئات المعلومات والدراسات المتضاربة المتعلقة بالفيروس، أدخلتنا فى المزيد من التخبط، فكلما خرجت دراسة بحثية لتؤكد قرب التوصل إلى لقاح أو علاج قادر على قهر كورونا، تنسفها دراسة أخرى بأن الوقت ما زال مبكراً للتفاؤل، لأن الفيروس جديد لا يشبه فى بصمته الوراثية غيره من فيروسات كورونا التى خرج منها، فالفيروس يتحوّر بسرعة، وفى كل مرة يقترب العلم من اكتشاف للتمكن منه، يفاجئهم بتغيره، ما يضع العلماء فى حيرة وارتباك وتضارب فى النتائج والتوقعات، ويضع الشعوب تحت رحمة الفزع والانتظار أملاً فى هزيمته، ويجعل قصص الخيال العلمى أقل إدهاشاً مما يحدث الآن، الفيروس لا يزال يحصد أرواح مئات الآلاف وملايين الإصابات حول العالم فى سابقة لم نشهدها من قبل.
الكل يتحدث عن عالم ما بعد كورونا وأنه لن يكون كما قبله، عقيدة التقارب الاجتماعى باتت مستحيلة، وحل مكانها التباعد والحذر! كورونا جعل الناس تعيش فى لحظة تاريخية ودرامية فارقة، لتتصرف فجأة بسرعة كحضارة، حتى يتجنبوا الموت الجماعى. فهل بدأنا نؤمن بالعلم؟ فى كل مكان ننظر إليه نجد الدليل الذى يجعلنا نثق فى العلم كمجتمع، وهو متغير آخر للحياة التى ستعود بنسخة جديدة من الوضع الطبيعى القديم، فما حدث لن يُنسى. والسؤال: ما الصدمات القادمة؟! ربما سيكون بعضها محلياً وآخر إقليمياً، لكن الكثير منها سيكون عالمياً، فالأزمة أثبتت أن العالم مترابط فى المحيط الحيوى والحضارى. ولأن كتّاب الخيال العلمى هم الأكثر قدرة على الخيال والاستشراف، فقد راج مؤخراً أن مؤلفى الأدب العلمى، ربما هم الأكثر دراية وقدرة على التكيف، حيث بعضهم تنبأ ببعض مما نحن فيه! رغم أن «روبنسون» يرى أن «كتّاب الخيال العلمى لا يعرفون شيئاً عن المستقبل أكثر من أى شخص آخر، فالتاريخ البشرى لا يمكن التنبؤ به. ومن هذه اللحظة يمكن أن ننزلق إلى حالة انقراض جماعى، أو نرتقى إلى عصر الرخاء أو الازدهار العام». وهذا بيت القصيد.