بقلم : جيهان فوزى
فى غزة كل شىء يموت إلا قياداتها، فى غزة ليس لك ثمن إلا بقدر انتمائك لفصيل سياسى، فى غزة تعتزلك الحياة ما دمت غير قادر على مجاراتها، فى غزة تنتهك الروح تحت أحذية السلطان، لا تصدق خداع «حماس» المجاهدة المرابطة ولا حيل سلطة «عباس» المنافقة، لا تصدق أن هناك شغفاً لوطن يذبح على مقاصل المتنفذين كل يوم، لا تصدق أن هناك شرفاً وضميراً ما زال يرفع شعار المقاومة البريئة، هناك أقدار يجب أن تعيشها، وأحزان يجب أن تقفز عليها، وأرواح تصعد لبارئها، لتشهده عما يفعله المضللون الرافعون لواء الوطن وحُماته، هناك كل أساليب الخداع والكذب والانتهازية الرخيصة التى تتاجر بأرواح الناس، هناك يقبع الألم فى المآقى الكسيرة التى شل دموعها كثرة البكاء، هناك أجساد ميتة فى صورة أحياء، هناك طاعون اسمه «حماس وفتح»، هناك شباب فقد إيمانه بالحياة فآثر السلامة بالانتحار، وثكالى استسلمن لأقدارهن أملاً فى معجزة تهبط عليهن من السماء، ومخلص يذود عنهن عهر السياسيين وفجرهم ونفاقهم، هناك آلام تعتصر الأجساد وفقر يطحن الكرامة ويدوس على الكبرياء، هناك كل شىء إلا الوطن والعزة والانتماء، هناك يحتضن أنصاف الرجال ما تبقى من رجولتهم شاهرين أسلحة الكذب والتضليل فى وجه القانعين المستسلمين لذل أُولى الأمر.
فى غزة العزة لم يعد هناك عزيز على أحد، هناك فقط القهر والظلام والجوع واليأس والمرض، فيما يتمكن منك العجز والعوز وتعيش تجربة الوجع بأنواعه. وجع البعاد والغربة وقلة الحيلة والمرض والإعاقة فتصبح غير قادر على التنفس، من أمامك بحر هائج مفخّخ بقنابل الاحتلال، ومن خلفك حدود جدرانها شاهقة مسيَّجة بأغلال السياسة والأمن ليس لديك مفر من واقع الاعتقال اللاإرادى الذى يعيش فيه أهالى غزة بكل المعايير اللاإنسانية، مَن يموت فقد استراح، ومَن يصارع المرض فلله الأمر من قبل ومن بعد، ليس من حق المريض العلاج، ومن كان طاعناً فى السن تُستكثر عليه الحياة فهناك أولويات، الروح رخيصة بقدر الاحتياج إليها، لا مهرب من مصير محتوم لأناس حُكم عليهم بالإعدام، رئيس السلطة يعاقب غزة ويمنع عنها الماء والهواء والتحويلات الطبية للخارج ضمن سياسة لىّ الذراع لإرضاخ «حماس»، وحماس تمارس التدليس والبلطجة باسم الشعب والدين والوطن، سُحقاً لكما فعلى أيديكما جاعت غزة، لكنها لم تأكل بثدييها، سحقت الأمراض خيرة شبابها وأنتم تتراقصون على أوجاعهم، وعجوز السلطة يتباهى بأساليب العقاب التى فرضها على غزة الذبيحة، و«حماس» تتاجر بآلام الناس وتقف كالمارد المتغطرس متذرعة بالمقاومة! سحقاً لكل من ساهم فى انكسار روحك يا غزة وداس عليها بأقدام التجبّر والقوة.
كنت أكتب عن معاناة غزة -شأنى شأن أى متابع- الكثير من المقالات، لكن حينما أصابنى الكبد فى مقتل، وعجزت عن رؤية صفحة وجه أمى المشرقة بالرضا رغم المرض وما قسمه الله لها، بسبب الإجراءات الأمنية المنهكة التى حالت دون السفر إليها أو توديعها قبل رحيلها إلى مَن هو أرحم بها من عباده، سقطت ورقة التوت، وتدحرجت الشرنقة لتصرخ بأعلى صوتها، أنتم يا من تزايدون على الوطن، مَن تعتقلون غزة، أنتم مَن تتسببون فى معاناتها وقهر أبنائها وضياع حقوقها، زرعتم اليأس فى قلوب خيرة شبابها، وأفعالكم نالت من أبنائها وأصبحوا فى نظر العالم إرهابيين، أصبحت غزة بأهلها شركاء فى الإرهاب ولتذهب إلى الجحيم! بعد أن كانت شعلة المقاومة والعزة والكرامة، دُستم على كبريائها، وبِعتم شرفها فى سوق نخاسة إيران وتركيا وقطر والسعودية وكل مَن مد يده ليقتطع جزءاً من لحمها، بينما أهلها يطلّون من علياء حسرتهم يضربون كفاً بكف لا يملكون سوى الحوقلة والحسبنة على كل مَن آذاهم وشوه تاريخهم ثم يمضون.
أوجعنى فراقك يا أمى، وإحساس العجز يقهرنى، فما استطعت الهرولة إليك، لأن قياداتنا تصنع التاريخ! رحمك الله رحمة واسعة، وأسكنك الفردوس الأعلى.
نقلًا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع