توقيت القاهرة المحلي 16:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«الوطن».. إذا غاب

  مصر اليوم -

«الوطن» إذا غاب

بقلم:جيهان فوزى

ما بين الواقع المتأزم والحلم المستحيل، تحلق أرواح العابرين إلى أوطان لا تشبه أوطانهم التى ضاقت عليهم، ولم تعد تحتمل وجودهم، أو تحولت إلى ثكنات عسكرية يتناحر فيها أصحاب السلطة والمصالح والنفوذ، الهاربون من جحيم الحرب، والباحثون عن الاستقرار والأمان والاطمئنان، تجمعهم هموم واحدة، وهدف وحيد، كيف يستردون وطناً سُلب منهم وأصبح أثراً بعد عين.

مع أى غيمة عابرة نبحث عن واقع أفضل، وننقب عن طرق للخلاص، فكانت الصيحات التى تنفث ألماً، هى من ترسم ملامح الوطن، الحلم الذى قد يمنحنا الحب وينقذنا من هذا الموت الذى يسكننا ونحن أحياء، نسعى للحياة بكل ما أوتينا من قوة، إنه الوطن الملاذ والسكينة والأمن والأمان.

«ما هو الوطن؟ هو سؤال الجرح المفتوح، والإشكالية التى لا تنتهى، يدعونا للتساؤل عما آلت إليه أوطاننا، التى أصبح فيها الحلم جريمة، والأمن مستباحاً، والحرية سجناً كبيراً تفوح منه رائحة الفساد والفاسدين، فهل نسميه وطناً؟! وهو المحاصر أرضاً وبحراً وجواً، بلا كهرباء أو دواء أو ماء. نفتقد هنا كل أسباب الحياة الطبيعية، مطاردون حتى فى نومنا، ليلنا يضج بالكوابيس، يتساءل المواطنون اللاجئون فى أوطانهم.. فى لبنان، وفلسطين، وسوريا، واليمن، وغيرها من البلدان حيث فى لحظة وجدوا أنفسهم فى عراء الطرقات، ينهشهم الجوع، وظمأ الحنين إلى رشفة ماء من عرق الأرض، وأصبحوا فى عداد المفقودين، شعوباً عاجزة، شردتها الحروب واستقبلتها المنافى وجوازات اللجوء، تحلم بكسرة خبز تسد الرمق، تعبر عن فجيعتها فى الوطن باللطم والعويل وأحياناً الهروب إلى الخلف، ثم تدخل فى أعماق الحنين إلى أوطانها، وتترجم هذا الحنين بما يعتمل داخلها من مشاعر الأنين والوجد لهذا الفقد، فلم يعد ما تراه نصب أعينها وطناً، لكنه شىء ما ربما يشبه الوطن الذى تحلم به. فى الصباح يرتشفون قهوة القهر، ويمضغون بقايا ذكريات تركوها خلفهم وولوا هاربين.

كيف أصبحت لبنان عروس الشرق بهذا البؤس والفقر والعوز؟ كيف تحولت إلى كتلة من نار أحرقت الأخضر واليابس؟ جاع أهلها، وتمرغت كرامتهم فى طين الأثرياء الذين نهبوا خيراتها وداسوا على كبريائها، ومزقته الصراعات الحزبية والطائفية، لبنان التى كانت تضج بالحياة، لم تعد هناك، أهلها كسرهم الفقر والحاجة، وأذلهم حكامهم المتخمون بالفساد، أرواحهم معلقة بمستقبل مظلم وظروف اقتصادية بالغة السوء، وصلت إلى حد الإهانة، حين يضرب أساتذة الجامعات المقبلة على امتحانات نهاية العام، لأنهم لا يجدون فى جيوبهم ثمن البنزين الذى يوصلهم إلى مقر عملهم، فماذا هم فاعلون؟ حكومة عاجزة ودولة على شفا الإفلاس، وشعب طحنته الهموم وهو ما كان يميزه الفرح والحبور فى أشد الأزمات التى مرت عليه، الآن يعيش اللبنانيون أسوأ أيام حياتهم، يكفى أن تدخل أحد المطاعم الراقية، فيعتذر لك النادل أنه لا يوجد خبز! فكيف يمكن تصور ذلك؟ فى فلسطين الأمر مختلف مع تشابه التفاصيل، شعب شرد وحرم من العيش فى وطنه بفعل الاحتلال، يقضم أراضيه أمام عينيه والعالم لا يحرك ساكناً، يحاصره فى كانتونات صغيرة معزولة، يسرق ماءها وأرضها وهواءها وتاريخها ويحولها إلى مستوطنات، يفرض قوانينه العنصرية، ويحرمه من حقوقه فى العيش والحياة، ويمارس الأبارتهايد لتهجيره من وطنه المستلب من احتلال غاشم. أما اليمن السعيد، فقد غابت عنه السعادة، وأصبح اليمن التعيس، يعانى الشعب اليمنى ويلات الحرب والصراع المذهبى والسياسى، ومن تناحر الطامعين فى السلطة، دمر النزاع والاقتتال والتدخل الخارجى ما تبقى من ملامح خريطة بلادهم، وشرد سكانه إلى مجاهل الجبال القاحلة والأدغال الموحشة، ليواجهوا مصيرهم المجهول، فى سوريا أبيدت مدن بكاملها، وتحولت إلى مدن تسكنها الأشباح، أكثر من نصف سكانها أصبحوا لاجئين مهجرين فى دول شتى، يهيمون على وجوههم فى بلاد غريبة يخاطرون بحياتهم وهم يلقون بأنفسهم فى عرض البحر فإما أن تلتهمهم الأسماك، وإما أن تقذفهم الشواطئ منهم الأحياء ومنهم الأموات وإما أن يتعرضوا للاعتقال والترحيل، وفى كل الأحوال يجهلون مصيرهم، تاركين إياه للظروف.

لا يعرف قيمة الوطن إلا من فقدوه، وفى غمضة عين وانتباهتها، أصبحوا لاجئين، جل طموحهم ينحصر فى توفير مكان يؤويهم، ولقمة خبز تسد جوعهم، وعمل يساعدهم على الاستمرار فى الحياة، أما حنين العودة إلى أحضان الوطن، فقد أصبح حلماً مستحيلاً، بعيد المنال، الوطن هو الهوية والتاريخ والتراث والأمان وكرامة الإنسان، بدونه نصبح بلا قيمة، مجرد رقم فى قائمة المشردين فى الأرض، الباحثين عن وطن، لعلهم يجدونه قبل فوات الأوان!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الوطن» إذا غاب «الوطن» إذا غاب



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon