توقيت القاهرة المحلي 18:25:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رحيل في المنفى

  مصر اليوم -

رحيل في المنفى

بقلم : جيهان فوزي

شأنه شأن مجمل الفلسطينيين الذين احتضنتهم المنافى، وصقلت تجربتهم الغربة، كان يتساءل: هل الوطن هو الدواء حقاً لكل الأحزان؟ وهل المقيمون فيه أقل حزناً؟ كان يجد فى شجر الزيتون ضالته التائهة وهويته الراسخة.. «زيت الزيتون بالنسبة للفلسطينى هو هوية المسافر، اطمئنان العروس، مكافأة الخريف، ثروة العائلة عبر القرون، زهو الفلاحات فى مساء السنة، وغرور الجرار».. ويلوم من كان سبباً فى ضياع الوطن فى غفلة من التاريخ.. «كيف تنعس أمة بأكملها؟ كيف غفلنا إلى هذا الحد.. إلى هذا الحد بحيث أصبح وطننا وطنهم».

هو الشاعر الفلسطينى «مريد البرغوثى» الذى رحل عن عالمنا فى مستقره أو منفاه الأخير فى الأردن قبل نحو أسبوعين، هو ابن فلسطين البار الذى تنقّل بين المنافى، وذاق مرارة الاغتراب والغربة، فلسطينى الهوى والنشأة، تلقى تعليمه الأساسى فى قريته دير غسانة قرب رام الله، ثم سافر إلى مصر ليلتحق بجامعة القاهرة، وتخرّج فى قسم اللغة الإنجليزية عام 1967، وهو العام الذى احتلت فيه إسرائيل الضفة الغربية، ومنعت الفلسطينيين الذين تصادف وجودهم خارج البلاد من العودة إليها، وفى هذا الصدد كتب مريد فى روايته «رأيت رام الله» عبارته الشهيرة: «نجحت فى الحصول على شهادة تخرجى وفشلت فى العثور على حائط أعلق عليه شهادتى». لم يكن البعد الجغرافى بالنسبة له وحده هو الغربة، المظلوم فى وطنه غريب، الأعزل إزاء قوة البطش غريب، الفقير فى دولة اللصوص المتلاعبين بالمال غريب. الاحتلال الأجنبى قد يطردك إلى المنفى، والدكتاتورية المحلية تنفيك وأنت فى قلب عاصمتك. هذا درس الحرية الأول الذى تعلَّمه البرغوثى فى منفاه، فالظلم واحد والعدالة واحدة أياً كان مكانك. وأنت تجد هذه المعانى معززة بأحداثها الواقعية الملموسة ليس فى روايته ذائعة الصيت «رأيت رام الله» فحسب، بل فى «ولدت هناك ولدت هنا» وهى بمثابة الجزء الثانى من «رأيت رام الله» كما أنك تجد إشارات لها فى «الأعمال الشعرية الكاملة» التى صدرت له فى القاهرة.

احتفظ «مريد البرغوثى» بمسافة بينه وبين المؤسسة الرسمية ثقافياً وسياسياً، لأن الكاتب الحقيقى من وجهة نظره لا يعرف الطاعة المغمضة العينين، المؤسسة الرسمية الفلسطينية، شأنها شأن كل سلطة، تخشى من يفكر بشكل مستقل، تخشى من يسأل ويناقش ويعترض، والكاتب الحقيقى هو ذاك الذى يفكك ويخلخل ويُزعج، لا ذاك الذى يبايع وينسجم ويدرب أصابعه على نقر الدفوف طرباً من كل كلمة تقولها السلطة. الكاتب الحقيقى يقف مع اسمه، وليس مع الناطقين باسمه، يقف مع الوطن وليس مع حكومة الوطن.. «انظروا إلى أين أوصلتنا السلطات المتعاقبة، الأرض تُسرق من تحت أقدامنا يومياً بالاستيطان، والحقوق تتآكل يومياً مع كل جولة تفاوض مع العدو، وفلسطينيو الشتات لا أحد يمثلهم، والانقسام الممل يزداد عمقاً بين الأطراف التى تدّعى الشرعية، ومنظمة التحرير راقدة فى مستشفى التاريخ، وليس مسموحاً لأحد أن يفكر فى علاجها، حتى المصالحة التى يتحدثون عنها أصبحت نكتة لا تثير الضحك»، فكتب منذ أن ابتُذل مفهوم المصالحة وتحول إلى محاصصة وتقسيم نفوذ للطرفين: إننى ضد هذه المصالحة الوطنية لأننى مع «وطنية المصالحة».

رحل عن عالمنا دون أن يرى وجه الوطن الصبوح كما تمناه، رحيل صامت فى منفاه الأخير الذى توج سيرته الذاتية وأعماله الأدبية، رحل دون ضجيج، لم يمهله القدر أن يرى مصالحة لازالت بعيدة، رغم الحراك السياسى الذى يدور بين أطراف الصراع، اختار البقاء بعيداً عن مهاترات السياسة ولغة المصالح والطموح البعيد عن مصلحة الوطن، ربما كان نافذ البصيرة واستقرأ المستقبل القاتم، فآثر الانسحاب بصمت، حين أدرك أن الوعى الجمعى الفلسطينى أصبح نهباً للتجاذبات، تماماً كما هو حادث على الساحة السياسية العربية، فالمشهد يكاد يكون مطابقاً مع اختلاف التفاصيل.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رحيل في المنفى رحيل في المنفى



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:47 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

وفد أميركي يزور دمشق للقاء السلطات السورية الجديدة

GMT 09:42 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الرئيس بزشكيان يختم زيارته للقاهرة ويعود إلى طهران

GMT 10:00 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني

GMT 11:30 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أفضل الأماكن لتجنب الإصابة بالإنفلونزا على متن الطائرة

GMT 18:59 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أسهل طريقة لتنظيف المطبخ من الدهون بمنتجات طبيعية

GMT 22:16 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

مواجهة أسوان لا تقبل القسمة على أثنين

GMT 18:47 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"

GMT 05:37 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

جوليا روتفيلد تكشف للفتيات دليل ارتداء ملابس الحفلات

GMT 17:06 2018 الإثنين ,05 شباط / فبراير

تعرفي على طرق مبتكرة لوضع المناكير الأحمر

GMT 20:57 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

فيليب لام يصف قضية مونديال 2006 بالكارثة الشخصية لبيكنباور
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon