بقلم : جيهان فوزي
نحن أمام جيل صعب المراس، نعانى من مشكلة حقيقية سببها الفجوة الكبيرة التى خلقتها أزمة التواصل بين الأجيال، الاحترام المفقود والجدل الدائر بين القديم والحديث، لن أبالغ لو قلت إنها معاناة كل بيت، هوة سحيقة تفصل بين أواصر الترابط والتواصل بين الأهل والأبناء، وعلى بساطة المشكلة، فإنها تشكل كارثة حقيقية، أزمة التواصل بين الأهل وأبنائهم أصبحت شيئاً من الترف غير المطلوب، كلما تداخلت الأفكار وتشابكت القناعات بين تجربة الأهل وتجارب أبنائهم تتفاقم المشكلة وتتحول إلى كوارث فى بعض الأحيان، أزمة التواصل والتفاهم تكاد تكون معدومة، لماذا وصلنا إلى هذه الفجوة المخيفة من التلاقى عند نقطة بيننا وبين أبنائنا؟ هل هو الانفتاح على عالم منفتح على كافة الثقافات والمعلومات؟ فأثرت على المفاهيم لدى الشباب وقلبتها رأساً على عقب؟!. هل انعدام الثقة والأمل فى المستقبل هو السبب؟ هل تغيّر مفاهيم الأخلاق وممارسة الحرية المنفلتة أديا لفقدان السيطرة؟ فأصبح الشباب بلا كوابح ولا ضوابط تقنن سلوكه؟
لا حول ولا قوة إلا بالله، ما حيلتنا ونحن نقف عاجزين عما يصيبنا بغتة، بفعل أفعالنا تارة وبفعل أقدارنا تارة أخرى، نعمة الصحة لا نملك فى قرارها شيئاً، هى بيد الخالق الذى أحيانا وبيده مماتنا، وحسن الخاتمة هى مسئوليتنا الأخلاقية والأدبية والدينية، وسلوكياتنا التى تتغير وتتبدل سواء بفعل ظروف قاهرة أو استعداد لدينا حين تغرر بنا الأساليب الملتوية والأفكار المستوردة، فنعتقد خاطئين أننا نسير فى الطريق الصحيح، يأخذنا غرور القوة وشيئاً فشيئاً يسلب معها نقاء النفس وطهارة اليد ومكتسبات المبادئ والأخلاق التى ينميها كل واحد فينا بحسب مبادئه وتربيته وقيمه الدينية، حتى هذه الفرضية خاضعة للنقاش، عملاً بالمقولة: «يخلق من ظهر العالم فاسد».
نعيش فى عالم محفوف بالعبثية والفوضى والتباس المعانى والأفكار، كثرت المفاهيم الدخيلة علينا وعلى ما تربينا عليه ونشأنا معتقدين أنه الصواب، مهما حاولنا، فلن نستطيع أن ندخل عقول الشباب المتمرد على كل شىء، الناقم على كل شىء، الذين جنحوا نحو أفكار غريبة دون رقيب، عندما تناقش شاباً يافعاً مكتمل الوعى والذكاء والتعليم الرفيع، تجده يستحق الشفقة لأنه فى النهاية يعبر عن جيل ضائع بين ما يتلقاه من معلومات مخترقة ومضللة، تلعب بالعقول بالمنطق والحجة من خلال الشبكة العنكبوتية التى حولت العالم إلى قرية صغيرة، هذا العالم السيبرانى الملعون، دخل غرف نومنا وأرّق مضاجعنا ولعب بأفكار شباب يتشكل، فأنجبت المتطرف دينياً والملحد والمشوّش والضائع بين نقيضين!! سممت أفكار جيل ما زال يتلمس خطاه وأقنعته بأنها الحقيقة، لا يوجد يقين ولا ثوابت يتكئ عليها ضعاف النفوس فتربأ بهم من الوقوع فى جب الهاوية، تتلقفه أيدى الإرهاب من ناحية، ومن ناحية أخرى تغزوه غربة النفس حينها لا يستطيع التمييز بين ذاته التى شكلتها قيم وأخلاق غرستها أسرته فى تربيته منذ الصغر، وبين العالم الخارجى والفضاء الإلكترونى الذى يبث سمومه ويقنعه ويؤثر على تفكيره، يتوه فيما يتلقاه بإحكام خبيث ومنطق لا يمكن رفضه لأنه يخاطب ميوله الفكرية ويعرف كيف يستميلها، فيفقد البوصلة ويتوهم خاطئاً أنه وصل إلى مبتغاه، وفى واقع الأمر أنه بدأ طريق الضياع، طالما التخبط أصبح منهجاً لحياته، لأنه لا يستند على أرض صلبة وقودها المعرفة والاطلاع على ثقافات أخرى والقراءة فى مجالات عديدة سياسة واقتصاد وعلوم وصحة وفلسفات غيرت مسار التاريخ.
السؤال النمطى والتقليدى يقول: أين الأسرة من الرقابة على هذا الجيل البائس الذى احتضنه عالم واسع زاخر بالمعلومات أقلها: «الموثوق فيه وفى مصداقيته»، وأكثرها: «المضلل الذى يلعب بالإدراك» ويتسلل بالمنطق لمخاطبة العقل، فكيف سيدخل ذوو الأمر عقول أبنائهم وهم عاكفون على صياغة حياتهم المحاطة بغموض مريب، «تحت مسمى الخصوصية»، يرفض أبناء هذا الجيل الإنصات إلى النصيحة أو حتى النقاش بالعقل، وسرعان ما يتحول النقاش إلى صدام، حائط صد منيع بين ما يتلقاه من الأهل وبين ما يعتقده الصواب، يغذيه العند المتأصل فى جينات الشباب بحكم المرحلة السنية والتجارب المكتسبة مهما كانت ضآلتها، يخيل له عقله بأنه على صواب والجميع غير قادر على الوصول إليه بسبب أفكار متخلفة وعقلية قديمة عفى عليها الزمن، يعتقدون أنهم يقبضون على ناصية الحقيقة والأفكار المستنيرة، وواقع الأمر أنهم متخبطون ضائعون، هل وحدهم المسئولون عن هذه الفوضى؟ هل الأسرة تدخل فى دائرة المحاسبة؟ هل المجتمع والدولة لهما نصيب فى التسبب بهذا الضياع؟ كل تلك الأسباب مجتمعة تدخل فى نطاق المسئولية والاتهام؟ كل بقدر، فكيف نجتاز هذه المرحلة الحساسة المتشابكة والمعقدة؟ كيف نعدل رمانة الميزان فلا تميل فى اتجاه على حساب الآخر؟ إنها مشكلة شديدة التعقيد، وأزمة تواصل تحتاج إلى وقفة، خاصة ونحن نتحدث عن جيل لا يستمع إلا لصوته، ولا يتحرك إلا بأفكاره، وقناعاته، وليذهب الباقون إلى الجحيم. لكن حقيقة الأمر أن كليهما سيذهب إلى الجحيم!