بقلم : جيهان فوزي
زحف فيروس كورونا بعد الصين إلى دول الشرق الأوسط وأوروبا، انتهك حصانتها واستعداداتها لاستقباله، وفى بعض الدول، مثل إيطاليا وإيران، تفوق على معايير الوقاية والخطط التى وضعت لمواجهته، فانتشار الفيروس السريع هو السبب الأول لفشل السيطرة عليه، ومن هنا لا نستطيع التكهن بكم الأعداد التى من المحتمل أن تصاب به، مهما تحرت وزارة الصحة الدقة وأخذت فى الحسبان التقصى والبحث شديد الدقة، كان لافتاً أن التركيز الشديد على المرض فى كل وسائل الإعلام العالمية وتدفق سيل الأخبار عن سرعة انتشاره عامل مهم فى بث الذعر والهلع بين الناس، وفى لحظة بدأت تتسرب الشائعات وتتناقلها مواقع التواصل الاجتماعى على أنها الحقيقة، فيديوهات موثقة ومداخلات هاتفية فى برامج التوك شو وتعليقات على السوشيال ميديا تؤكد، وأخرى تنفى وتتهكم، وفى المنتصف نقع ضحايا الخيال الخصب الذى يترك عنان الأفكار للتحليل والاستنتاج، ووسط هذا التخبط نتلقى الشائعات بحذر، فلا ندرى مدى مصداقيتها، وما مصدرها؟
وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد رغم تأكيداتها المستمرة ونفيها القاطع عن احتمالية وجود حالات غير الحالات المعلنة، لم يطمئن الناس، ولم يغير من حقيقة أن الإنسان بطبعه يميل لتصديق الأقاويل، طالما ما زال الشك يساوره فى الرواية الرسمية ولا يستطيع الوثوق بها، فهى تحتاج إلى دليل وتراكم فى المصداقية.
منذ يومين كنت فى إحدى العيادات الطبية ودار الحديث بين المنتظرين حول فيروس كورونا وتوابعه حول العالم، وفوجئت بأحد الموجودين يروى قصة جاره الذى شعر بضيق فى التنفس وارتفاع فى درجة الحرارة، فذهب إلى طبيب فى عيادته الخاصة، الذى شخّص حالته بالتهاب رؤى حاد!! لكن المريض الذى عاد لبيته توفى فى صباح اليوم التالى وسط ذهول جيرانه وذويه، وتساءل الراوى كيف لطبيب الصحة أن يصرح بالدفن دون تقصى ما حدث للمتوفى؟! وهل أسباب الوفاة بعيدة فعلاً عن احتمال إصابته بالفيروس المنتشر، خاصة أنه يحمل نفس الأعراض؟ وكيف لا يكون هناك اهتمام بفحص المخالطين لأهل المتوفى؟، وبدا الغضب واضحاً على وجهه حينما قاطعته زوجته بلهجة حاسمة معبرة عن عدم ذهابهم لتقديم واجب العزاء!. واستطرد الرجل قائلاً إن هناك العديد من الحالات التى شعرت بارتفاع فى درجة الحرارة وذهبت إلى المستشفيات، لكنها رفضت استقبالهم، وتساءل: أين يذهب المريض حال شعوره بتلك الأعراض طالما ترفض المستشفيات استقباله؟ وماذا عليهم أن يفعلوا؟
ما رواه الرجل، ينفى ما تصرح به وزيرة الصحة، إن صحت روايته، بل يجعلنا أكثر قلقاً وارتباكاً مما نحن عليه، والمواطن لديه قناعة مسبقة بعدم الوثوق فى الروايات الرسمية وهو التحدى الأكبر فى المرحلة القادمة، كما أن نقص المعلومات يثير حالة من التخبط والخروج عن المألوف، كما حدث مع المهندس الصينى «سى يونج هاى» ضحية التنمر على الطريق الدائرى فى القاهرة الجديدة بطريقة مؤسفة وغير مسئولة، وهو المشهد الذى تكرر فى الأراضى الفلسطينية، حينما تعدت مواطنة على مقيمتين من اليابان، وتم اعتقال المتنمرة وتقديمها إلى النيابة العامة لاحتواء الموقف. لا يقتصر الشك بين المواطنين على مصر حول عدد الحالات ومدى دقة المعلومات بشأنها، بل امتد إلى دول أخرى لا تستطيع الوثوق بالمعلومات التى تتلقاها من الجهات الرسمية، مثل إيران وكوريا الشمالية، بسبب انعدام الشفافية.
شعرت وزيرة الصحة بالأسف بسبب شكوك الناس فى الأعداد المصابة بالفيروس التى أعلنتها الوزارة، وأنها تخفى عدد الإصابات الحقيقية، لكن تلك الشكوك لها مبرراتها، وللمواطنين عذرهم، لأن شكوكهم نابعة من تراكم طويل وميراث قديم خاص بطبيعة الأنظمة الشمولية فى العالم الثالث التى لم تعتد الشفافية مع شعوبها، وللإنصاف فإن الوضع الحالى مختلف جملة وتفصيلاً، والشفافية فيه ليس مطلباً، بل واجب وضرورة، لخطورة هذا الوباء الذى لا يعلن عن نفسه، ويمكن أن يصاب به آلاف الأشخاص دون أن يدروا بالانتشار السريع للعدوى، كما أن منظمة الصحة العالمية لم تشكك فى كيفية تعامل مصر مع المرض، رغم عدم رضاها عن أداء بعض الدول، وهذا فى حد ذاته مطمئن، حتى إن كان أضعف الإيمان.
a