بقلم - جيهان فوزى
طوال واحد وأربعين عاماً يحتفل الفلسطينيون بـ«يوم الأرض» بطرقهم المختلفة إحياءً لذكرى شهداء الأرض الذين وقعوا دفاعاً عنها، ومنذ ذلك الحين يعتبر هذا اليوم عيداً وطنياً لديهم يذكرهم دوماً بأرضهم وأهميتها التاريخية لديهم، وقبل أيام حل يوم الأرض على الفلسطينيين ليقرروا فيه اعتماد أسلوب آخر بعد أن ضرب اليأس أعناقهم وضاقت بهم الدنيا وأظلمت مقومات الأمل فى مستقبل واعد، خصوصاً فى قطاع غزة، اختار أهل القطاع الاحتفال بيوم الأرض بمسيرة العودة الزاحفة نحو الحدود التى اعتلاها سياج شاهق غرسه الاحتلال الإسرائيلى ليحاصر القطاع أكثر ويفصله عن بقيه الأراضى الفلسطينية التى التهمها قطعة تلو أخرى، خرج أهالى غزة سائرين نحو السياج فى مظاهرات سلمية احتجاجية لتذكر العالم أنهم حاضرون رغم الغياب الطويل الذى حاصرهم وأنهم لن يستسلموا لمصير فرضته سياسات أمريكا وإسرائيل ومؤامرة «صفقة القرن» التى يجهز لها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وإسرائيل لتصفية قضيتهم نهائياً، فضلاً عن حصار السلطة الفلسطينية الذى فرضته عليهم من قطع الأرزاق وتجميد الأموال وخصم الرواتب ووقف الإمدادات الطبية والوقود والكهرباء فتحولت حياتهم إلى الجحيم بعينه.
أسلحتهم كانت إيمانهم بعدالة قضيتهم واليأس الذى ضرب مقومات حياتهم فلم يُبْقِ لهم ما يخافون عليه، لكن إسرائيل بعتادها العسكرى وجيشها المارق كانت تخشى مسيرتهم فحوّلتها مرة أخرى إلى دماء روت عطش الأرض القاحلة بفعل العزلة والحصار وسياسات الظلم والاعتداء والقسوة، عشرات الآلاف خرجوا غير آبهين بالتهديد والتحذيرات التى أطلقتها إسرائيل وكانت تجهز لها منذ تسربت لها أنباء عن مسيرة العودة السلمية التى ينوى الأهالى تنظيمها فى يوم الأرض، فهناك علاقة جدلية تلك التى تربط الفلسطينى بالأرض، ارتباطاً روحياً بين الإنسان وأرضه المجبولة بعرق الكادحين والفلاحين ودمائهم ودموعهم، الأرض هى رمز بقائهم وهويتهم وانتمائهم، سر وجودهم وصمودهم، تشكل أحد الملامح والصور الحاضرة فى أذهانهم، جسدت وعكست وحدة وتلاحم الشعب الفلسطينى المتيم بحبها بأروع وأبهى صوره فى يوم الأرض الخالد عام 1976، عندما انتفضت الجماهير مع قواها النضالية ضد غطرسة الاحتلال وسياسته القائمة على النهب والمصادرة لكل ما هو فلسطينى ليقتلعه من تاريخه وتراثه وجذوره، فى هذه المناسبة أعادت «مسيرة العودة» روح تلك الذكرى الخالدة فى أذهان الفلسطينيين وأيقظت ضمير العالم الذى كاد يموت مع تراجع القضية الفلسطينية بعد أن سقط فى «مسيرة العودة» أكثر من 18 شهيداً ومئات المصابين. وتوالت ردود الفعل الغاضبة وإدانات المجتمع الدولى، فما اقترفته إسرائيل من عنف مفرط فى مواجهة مسيرة سلمية غير مبرر؟! واعترفت منظمة (هيومن رايتس ووتش) بأن المسئولين الإسرائيليين الكبار الذين طالبوا بشكل غير قانونى باستخدام الذخيرة الحية ضد المظاهرات الفلسطينية التى لم تشكل أى تهديد وشيك للحياة، يتحملون المسئولية عن مقتل 18 متظاهراً فى غزة وإصابة المئات فى 30 مارس 2018. وأوضحت المنظمة الحقوقية أن الحكومة الإسرائيلية لم تقدم أى دليل على أن إلقاء الحجارة وغيره من الأعمال من قبل بعض المتظاهرين على الحدود مع قطاع غزة هدد بشكل خطير الجنود الإسرائيليين وراء السياج الحدودى. وقالت المنظمة: «كان العدد الكبير للوفيات والإصابات نتيجة متوقعة للسماح للجنود باستخدام القوة القاتلة فى حالات لا تهدد الحياة، بما ينتهك المعايير الدولية. كما أتى نتيجة ثقافة الإفلات من العقاب على الانتهاكات الجسيمة، القائمة منذ أمد طويل داخل الجيش الإسرائيلى!
لقد شكلت «مسيرة العودة» التى انبثقت من رحم الأرض نقطة تحول فاصلة للفلسطينيين وصحوة ضمير غاب وسط الصراعات على السلطة والسيادة، هى لحظة اختبار فارقة فى ظروف ملتهبة إما أن تعيد لهم وحدة الصف وتنحية الخلافات والالتفاف حول مشروعهم الوطنى وإنجاز المصالحة المنتظرة منذ سنوات، وإما أن تغرقهم فى وحل التناقضات والصراعات فتفوت عليهم فرصة الخروج من عنق الزجاجة التى خنقتهم بها إسرائيل الماضية فى مشروع التهويد وسحق الهوية الفلسطينية بمساعدة ودعم أمريكى لم يحدث من قبل.
نقلا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع