بقلم - جيهان فوزى
علاقة جدلية تلك التى تربط الأدب الفلسطينى بالأرض، ارتباطاً روحياً بين الإنسان الفلسطينى وأرضه المجبولة بعرق الكادحين والفلاحين ودمائهم ودموعهم، الأرض هى رمز بقائهم وهويتهم وانتمائهم، سر وجودهم وصمودهم، تشكل أحد الملامح والصور الحاضرة فى دفتر الأدب شعراً وروايات، جسدت وعكست وحدة وتلاحم الشعب الفلسطينى المتيم بحبها بأروع وأبهى صوره فى يوم الأرض الخالد عام 1976، عندما انتفضت هذه الجماهير مع قواها النضالية ضد غطرسة الاحتلال وسياسته القائمة على النهب والمصادرة لكل ما هو فلسطينى ليقتلعه من تاريخه وتراثه وجذوره، سقط الشهداء والجرحى فى عرابة وسخنين والطيبة وغيرها من المدن والقرى الفلسطينية فى مناطق الجليل التى احتلت عام 1948، ومنذ ذلك الحين أصبح يوم 30 من مارس مناسبة فلسطينية خالدة تحيى فيها ذكرى يوم الأرض التى حاولت إسرائيل اغتصابها وسرقتها من أصحابها، وجسد هذا اليوم مرحلة جديدة من العلاقة بين الأرض والإنسان الفلسطينى فبدونها الهوان وفقدان الهوية والتشرد.
الأرض وجع وحنين كل فلسطينى، لها الأولوية فى حياته العصية على الركوع، وفيها تكمن استمراريته وسر وجوده، ولأنها المغزى والرمز فقد عالج الكتاب والأدباء والشعراء الفلسطينيون قضية الأرض فى نصوصهم الأدبية الشعرية والنثرية من زوايا مختلفة، ترجموا صدق المشاعر والإحساس الوطنى والارتباط الأبدى بالأرض وأهميتها للفلسطينى، ساهموا فى نشر الوعى بصور محكية وحذروا من السماسرة ونبهوا إلى المشاريع والمخططات المرسومة التى تستهدف مصادرة أراضيهم، فصاغوا روائع القصص والحكايات التى تتحدث عن ارتباط الفلسطينى بأرضه، ونثروا الأشعار الحماسية مغموسة بقصص وقصائد الحب والعشق والمقاومة الداعية إلى التمسك بالأرض والدفاع عنها والتصدى لعملية المصادرة والتجريف لمحو الهوية والجنسية وعبق التاريخ باسم القانون.
سلاح الأدب الذى يصور الواقع الفلسطينى فرض نفسه، ولم يجد خياراً أمامه سوى المقاومة بالكلمة للتصدى للمؤامرات التى تحاك ضد الشعب الفلسطينى والممارسات التى تسلبه كل حقوقه الشرعية والإنسانية والوطنية، فهو ملح الأرض وثراؤها تعددت ألوانه وتشعبت خطوطه فى سرد قصص أسطورية عن المقاومة والصمود، لكن هل اختفى أدب المقاومة مع الوقت بعد أن صار ملعوناً وساءت سمعته، أم أنه لبس ثياباً أخرى وخرج متنكراً ليعيد إنتاج الحياة الفلسطينية المعاصرة شعراً ونثراً وأغانى؟
ربما تغيرت طرق التعبير عن «يوم الأرض» فى الوعى الجماهيرى بعد انتشار وسائل الاتصال المتعددة، فأصبحت مواقع السوشيال ميديا متنفساً قوياً للتعبير والتجول داخل النفس والعقل، وتسجيل محطات مثيرة ومميزة وكاشفة عن حياة الفلسطينى داخل وطنه وفضح ممارسات الاحتلال اليومية من مصادرة للأراضى وتشريد أهلها وانتهاك عرضها، وأصبحت المواجهة مباشرة ويومية مع كل قرار إسرائيلى بضم قطعة أرض جديدة أو تهجير السكان للاستيلاء على ما تبقى من تاريخهم وهويتهم، فالاشتباكات اليومية مع الاحتلال لا تكل وسقوط ضحايا التصدى للاعتداءات لا تمل، والوقفات الميدانية اليومية احتجاجاً على مصادرة الأراضى وفضح الاحتلال وكشفه أمام العالم لم تتراجع، غير أن لغة المواجهة الأدبية لجرم الاحتلال ما زالت تسير بالتوازى مع المقاومة التقليدية، فالواقع الفلسطينى يؤكد أن أدب المقاومة لم يمت وإنما أبطاله تبدلوا وأصحابه تغيروا، فالأجيال الجديدة رغم ما يعانيه أدب المقاومة من اضطهاد لا تزال تكتب وتقاتل حين يستدعى الأمر، ولعل أعظم ما عبر عن المأساة الفلسطينية وحضورها المميز هو الأدب الجديد المتسلل من داخل الزنازين وفى خيام المشردين وبين الأدباء المهمشين، وبالنسبة للأدباء والفنانين الفلسطينيين فإن التفاتهم لواقع شعبهم التراجيدى قد وسع المدارك الإبداعية لآفاق جديدة، ورغم عزوف الأدباء الفلسطينيين عن أدب المقاومة، فإن ذلك لم ينف حاجة الواقع المتفجر دائماً فى الأراضى الفلسطينية إلى أدب يحاكى هموم شعب تكاد تكون حكاية كل فرد فيه تصلح لعمل فنى أو أدبى.
نقلا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع