بقلم : جيهان فوزي
صدى واسع لاقاه كتاب «أرض الميعاد» المؤلف من جزأين للرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، هذا الكتاب الذى يتناول فيه مذكراته وانطباعاته السياسية أثناء فترة حكمه التى امتدت من عام (2009 - 2017)، ويتحدث فيه عن الحكام والرؤساء فى دول العالم، أصبح يجسّد ثروة ضخمة له دون أن يضع أى استثمار يدر عليه بتلك الأموال الغزيرة، فقد تجاوزت مبيعاته فى اليوم الأول من خروج كتابه إلى النور بنحو عشرين مليون دولار، طبع منه نحو ثلاثة ملايين نسخة حتى الآن، كتابه الجديد «promised Land A»، الذى صدر الأسبوع الماضى سيجعل من أوباما مليونيراً، ويجنى أكثر من راتبه لمدة 8 سنوات قضاها رئيساً فى البيت الأبيض، فقال فى تغريدة على حسابه فى «تويتر»: «إننى أهدف إلى تقديم تقرير صادق عن رئاستى، والقوى التى نكافح معها كأمة، وكيف يمكننا معالجة انقساماتنا وجعل الديمقراطية تعمل للجميع» ويختتمه بأحداث مقتل بن لادن فى 2011 بباكستان.
يستعرض «أوباما» فى مذكراته انطباعاته ورأيه عن رؤساء دول العالم من الإعجاب الشديد بسياسات البعض، وتحفّظه على آخرين، ويتحدّث عن فترة حكمه التى شهدت أحداثاً عالمية مهمة للغاية، ومنها ما صار يُعرف باسم «الربيع العربى»، وكذلك قال الكثير فى كتابه عن الزعماء العرب الذين عاصرهم فى تلك المرحلة. إذ يعرض صورة قاتمة لكثير من قيادات العالم العربى، مشيراً إلى أنه ما زال يخشى أن الضغوط التى مارسها خلال «الربيع العربى»، لم تكن دائماً موضوعية.
استلهم أوباما عنوان كتابه من المعتقد الصهيونى بالعودة إلى أرض الميعاد، «أرض فلسطين»، مستشهداً بقصة النبى موسى، عليه السلام، الذى خرج ببنى إسرائيل من مصر، وبعد أربعين عاماً من «التيه» فى الصحراء، مات وهو يرى أرض الميعاد دون أن يصل إليها، ويؤمن «أوباما» بفكرة مفادها أننا «إذا كنا مثابرين ومتفائلين، يمكننا أن نجعل الأمور أفضل. إن لم يكن من أجل أنفسنا، فمن أجل المستقبل بالتأكيد». لكن لماذا «أرض الميعاد» عنوان لكتاب أوباما؟. إن أرض الميعاد أو الأرض الموعودة أو أرض إسرائيل هى أسماء مختلفة لمعنى واحد، هو أرض فلسطين، والأرض الموعودة هى إحدى الحجج التى استخدمتها الصهيونية لدفع يهود العالم للهجرة إلى فلسطين، واستعمارها، وتستغل هذه الحجة الدوافع الدينية المستوحاة من التوراة لتحقيق الأهداف الصهيونية، إذ يزعم اليهود أن الرب وعدهم بأرض فلسطين، وأعطاهم إياها ردحاً من الزمن، ثم وعدهم حين طردوا منها بإرجاعهم إليها فى الوقت المناسب. لقد استخدمت الصهيونية أسطورة أرض الميعاد، أو أرض (إسرائيل) لتأجيج الحماسة الدينية لدى اليهود للهجرة إلى فلسطين، انطلاقاً من الادعاءات التوراتية، التى ترى أن أرض فلسطين ملك لليهود وحدهم، وأن هذه الأرض لا وجود لها خارج التاريخ اليهودى، ولعل هذا هو الأساس الذى خرجت منه عبارة أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض. كما مكّن مصطلح أرض الميعاد الصهيونية من تحاشى استخدام مصطلح «أرض فلسطين»، الذى ينسف ادعاءاتهم من أساسها، بما يحمله من دلالات على الوجود التاريخى غير اليهودى فى فلسطين.
باراك أوباما يتحدث فى كتابه عن 7 قضايا مهمة فى حياته، تطرّق فيها إلى المثابرة والأمل، وأشار إلى العرق كأحد خطوط الصدع المركزية فى التاريخ الأمريكى، والانقسام داخل أمريكا، والشباب الأكثر تقبّلاً للاختلاف، كما تحدث عن الإسلام والمسلمين والوهابيين.. وغيرها، «أوباما» معروف بحبه للخطابة، ومن الساعين خلف الجمل الرنانة، ويبدو أنه فى مذكراته يريد مغازلة الجميع، فهو يغازل الأمريكان الذين يرون خروج أجدادهم إلى الأرض الجديدة، كان خروجاً من أجل الخلاص، مما يلاقونه فى أوروبا من تعنّت وفقر، ويغازل المتدينين الذين سيرون أن هذا الخروج لأجدادهم كان «مقدساً» أيضاً بمباركة من الله، وربما يكون لاختيار عنوان الكتاب «أرض الميعاد» ما يثلج صدر إسرائيل، التى تسعى دائماً لتكريس هذا المعنى، ولطالما روّجت له، وهدفها من ذلك إثبات وعد الله لبنى إسرائيل بالرجوع إلى الأرض الموعودة الذى ما فتئ اليهود يرددونه، ولتذكير العالم دوماً بهذا الوعد وعدم تخليهم عنه، حتى لو كان بالتزوير!.