بقلم : جيهان فوزي
رحل «مبارك»، انتهت معركته مع الجدل حول حقيقة مسئوليته عن الفساد السياسى والاقتصادى الذى لحق بالبلاد خلال فترة حكمه، أم أنه كان محارباً عنيداً محافظاً على البلاد من الطامعين والمتآمرين، رافضاً التنازل عن ذرة رمل من تراب مصر، اختلفنا واتفقنا على مدار تسع سنوات حول سياساته ومدى تأثيراتها على البلاد سلباً كانت أو بالإيجاب، لكن الرحيل حسم هذا الجدل البيزنطى، الذى لم يعد له قيمة ولا يعيد الرجل إلى الحياة، غير أن موته أعاد إلى الحياة السياسية زخمها بعد ركود وتململ، وكانت المفاجأة فى توحّد قطاعات كبيرة من المجتمع على إخراج عواطفها المدفونة تجاه رئيسها الأسبق، بذكر مناقبه والتغاضى عن أخطائه، باستثناء قلة عبّرت عن موقفها الساخط على فترة حكمه.
كان لافتاً هذا الإجماع حول مبارك العسكرى، صاحب الضربة الجوية الأولى ضد إسرائيل فى حرب أكتوبر 73، تصدّر خبر وفاة مبارك الإعلام العالمى، وترك العنان للحديث فى سيرته الذاتية وتاريخه السياسى وتقييم ثلاثين عاماً هى مدة حكمه، تباين فى الآراء والتوجهات وزوايا التناول، ما بين مبارك العسكرى، ومبارك الرئيس، ومبارك السياسى، ومبارك الإنسان، ومبارك السجين، تباين وصف الإعلام العالمى له بين البطل القومى، والحليف للولايات المتحدة، والديكتاتور، واللاعب البارز فى المفاوضات والصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل، ورغم تعدّد المراحل وثراء السيرة، لكن النهاية واحدة، ويبقى فى الموت عظة وعبرة.
«مبارك» مهما اتفقنا أو اختلفنا معه فى النهاية، غادر دنيانا، وورى الثرى فى وطنه كما أراد، رفض الخروج الآمن، وآثر المحاكمة والسجن على اللجوء السياسى والنفى الاختيارى، وإغراءات الإقامة خارج الوطن، وهذا يُحسب له، كان موقفه واضحاً من زيارة إسرائيل خلال سنوات حكمه، مما كان يثير تحفّظ إسرائيل، لكن حين نعاه رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو وصفه بالصديق، مع أن الراحل لم يذهب إليها خلال فترة حكمه إلا قليلاً، ورغم ما أثير حول زياراته السرية إلى إسرائيل. وأشاد إيهود باراك رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، فى حديثه عن الرئيس الراحل بفترة حكمه، قائلاً: «لقد استعاد موقع القيادة بشكل تدريجى، وأعاد مقر جامعة الدول العربية إلى القاهرة، وكان يعرف كيف يفاوض، رغم أن دولته كانت الأضعف اقتصادياً، كان يعرف كيف يفاوض اللاعبين الآخرين، السعوديين والسوريين بالدرجة الأولى، لقد كان دبلوماسياً مؤثراً».
لقد عكست الآراء المختلفة مسيرة الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك السياسية الطويلة، التى بدأت بسجل عسكرى، إلى أن أطاحت به ثورة 25 يناير، ما بين من نعى الرئيس الراحل مبارك واحتفل بوطنيته وإنجازاته، ومن أشار إلى ثورة 25 يناير وأسباب الإطاحة به، تفاعل الآلاف من المغردين على صفحات السوشيال ميديا. تركة ثقيلة وتاريخ حافل، إنجازات وإخفاقات، نقاش وجدل، أبواب فتحتها وفاة الرئيس الأسبق، خاصة فى ما يتعلق بالتركة السياسية التى خلفها الرجل، وهو جدل لم يتوقف منذ تنحيه عن الحكم، فهل تحسم وفاته هذا الجدل وتغلق النقاش حول تلك الحقبة من التاريخ، بالنظر إلى المستقبل واستخلاص العبر؟. رحم الله الرئيس مبارك وغفر له.