بقلم-جيهان فوزى
أخيراً انتفضت الضفة الغربية احتجاجاً على ما يجرى من عزل وحصار وعقوبات جائرة على قطاع غزة، أخيراً شعرت الجغرافيا بأنها مهما كانت بعيدة ومتفرقة وممزقة فهى قريبة ومتوغلة مثل شريان الحياة لا يمكن بتره أو اجتثاثه من جذوره، فلطالما كان الرهان على الانفصال التام بين الضفة وغزة انفصالاً جغرافياً واجتماعياً وسياسياً وكانت تلك مخططات الاحتلال الإسرائيلى منذ عقود لتشتيت الهمة والوحدة الفلسطينية، كى يصيبها الشلل ويغزوها العطب المعنوى والوجودى، فضلاً عن يقينه بأن التمييز والعنصرية وزرع الفتنة بين طرفى الوطن هو قوة ومكسب له وبحكم الجغرافيا المختلفة فى تفاصيلها بين الضفة والقطاع، لقد نكأت العقوبات التى فرضها الرئيس الفلسطينى محمود عباس على قطاع غزة ومن قبلها حصار الاحتلال الإسرائيلى الجائر الذى امتد لأكثر من عشر سنوات والعزلة المفروضة على السكان الجراح، وعاد أهالى القطاع بالذاكرة إلى جو الاحتلال الذى طالما مارس سياسة «فرق تسد» وحاول بكل الطرق زرع الفتنة والضغينة بين أبناء الضفة الغربية وقطاع غزة، بتوفير المناخ المستقر لسكان الضفة الغربية من اقتصاد وبنية تحتية ومشاريع تنموية، بينما يعانى القطاع من الإهمال المتعمد والجسيم الذى تراكم سنوات طويلة حتى بات قطاع غزة قنبلة موقوتة مهيأة للانفجار فى أى لحظة.
مخطط الفصل قديم استثمره الاحتلال فى سياسة التمييز بين الضفة والقطاع، معتمداً على صفات الجغرافيا التى دائماً ما تنصف مناطق الشمال وتظلم المناطق الجنوبية حتى تحولت إلى ظاهرة كونية استقرت فى وجدان الأنظمة الديكتاتورية واستسلمت لها الشعوب!! لكن للأراضى المحتلة شأن آخر فى ظل وجود احتلال شرس وعنيد وصراع على البقاء فى ماراثون المقاومة والبحث عن الحقوق وإثباتها وتحريرها من يد محتل طاغ متجبر، وللأسف استطاع الاحتلال أن ينجح قليلاً فى إشاعة الفرقة والتمييز العنصرى بين شقى الوطن، خاصة أنه كان يمنح الامتيازات لأهالى الضفة على حساب غزة ليس حباً فيه ولكن ضمن مخططاته القاضية بعزل الضفة الغربية عن قطاع غزة، وللأسف أفلح الانقسام الفلسطينى منذ سيطرة حماس على قطاع غزة فى تمرير المخطط الصهيونى، فيما لم يستطع الاحتلال تمريره منذ سنوات طويلة! صحيح أنه فشل حينها بفضل الوعى لدى النشطاء السياسيين والمقاومة الفلسطينية لكنه كان يستحضر النعرات الاجتماعية من مخبئها حتى وإن لم تكن ظاهرة وتبرز على استحياء من حين لآخر، نظراً للوضع الاجتماعى الأفضل الذى يعيشه سكان الضفة، وبفعل الوصاية الأردنية أيضاً على كل ما يتعلق بها لسنوات طويلة كادت تتوج بمشروع الكونفيدرالية الذى رسمته وخططت له إسرائيل ويقوم على أثره الأردن بضم الضفة الغربية إليه فى اتحاد كونفيدرالى لكنه جوبه بالرفض من الفلسطينيين والأردن أيضاً.
بعد صمت طويل واحتجاجات متقطعة انتفضت الضفة الغربية نصرة لغزة، فقد طفح الكيل ولم يعد بمقدورها الصمت على ما تواجهه غزة من ظلم وفقر وعزلة، وخرجت المظاهرات رافضة فرض العقوبات على قطاع غزة وقيام السلطة الفلسطينية بتضييق الحصار عليه ومعاقبته على تمسكه بالثوابت الوطنية، وتحرض الأعداء على تشديد الحصار عليهم؟! لقد أتت المظاهرات تلبية لدعوات قوى وطنية ومنظمات مجتمع مدنى، إضافة لما يعرف بتجمع حراك رفع العقوبات عن غزة الذى يضم أكاديميين وصحفيين وكتاباً وفنانين وأسرى محررين، فى مبادرة لإنقاذ غزة ودعمها وليس إلى تجويع وإذلال أهلها، فتضحيات أبنائها تتجلى لنا كل يوم كالشمس الساطعة المفعمة بالحرية والكرامة، من أجل فلسطين ومن أجل الكرامة العربية الضائعة.
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع