بقلم - جيهان فوزى
المصالحة التى انتظرها الشعب الفلسطينى سنوات، وتكبّد بسبب فشلها الكثير من الخسائر والأرواح اتّضح أنها مجرد كارت محروق تلعب به الأطراف المتصارعة على جراح غزة، فلم يكن تفجير موكب رئيس الوزراء الفلسطينى رامى الحمدالله، وهو فى طريقه إلى غزة لافتتاح محطة مياه الصرف الصحى سوى سيناريو من سيناريوهات الانفصال على قطاع غزة أكثر وأكثر، مسارعة اتهام حركة حماس إن لم يكن بالمسئولية عن التفجير فبالتواطؤ هو جزء من المؤامرة، التى لم تنطلِ على الغزيين، وتفاعل عدد كبير من النشطاء وأعربوا عن استغرابهم من تحميل «حماس» المسئولية رغم مرور أكثر من 15 عاماً على اغتيال الرئيس عرفات وعجز «فتح» عن الوصول إلى القاتل، فراحوا يتندّرون عبر مواقع التواصل الاجتماعى على سيناريو فيلم تفجير الموكب الخائب وإخراجه الردىء، الذى لم يقنع أهالى غزة، لا من حيث الشكل ولا المضمون، خصوصاً أن التفجير لم يتمكن من تحقيق الخسائر المرجوة التى يريدها الفاعلون، وطال فقط إطارات السيارات، واستكمل الموكب طريقه إلى غزة لافتتاح المشروع الذى جاءوا من أجله.
ردود الفعل الدولية والعربية التى استنكرت وأدانت الهجوم واعتبرته حلقة فى سلسلة التعقيدات التى تشوب التسوية أمر يتّسق مع الأهداف المعلنة لهذه الدول، لكن سرعة الاتهام من قيادات فتح لحركة حماس كونها المسئول عن إدارة القطاع لم يقنع سكان غزة فهذه القيادات التى تخرج وتنادى بالمقاومة السلمية وترفض الخيار المسلح لمواجهة إسرائيل هى نفسها من تدعو إلى إسقاط حكم «حماس» الانقلابية فى غزة وتُحلل فرض العقوبات على قطاع غزة المتخم بالجراح، وأضعفه الحصار. هى شخصيات برعت فى تقمص الأدوار فتصب جام غضبها حينما يتعلق الأمر بالتعامل مع قطاع غزة وتظهر كالحمل الوديع عندما يتعلق الأمر بالاحتلال الإسرائيلى. تلك القيادات التى ما انكفأت تخرج عبر شاشات التليفزيون تكرّر عبارات التهديد والوعيد «إجراءات غير مسبوقة. حكم الظلام. القضاء على طالبان غزة»، هى ذاتها التى تلتزم الصمت فى كل مرة يرتكب فيها الاحتلال جريمة ضد الفلسطينيين أو حتى عندما يتعكر مزاح جندى أو مجندة إسرائيلية على أحد حواجز الضفة ولا يسمح لهؤلاء بالعبور، ولم يكن هذا الأمر بعيداً عن خطابات الرئيس الفلسطينى محمود عباس فى المحافل الدولية والإسلامية والعربية فهى خطابات مكرّرة تحمل العبارات نفسها التى تؤكد المقاومة السلمية ورفض استخدام العنف فى مواجهة الإرهاب والتطرف كاستراتيجية للتعامل مع الاحتلال، لكن عندما يتعلق الأمر بغزة يتغيّر الخطاب من النقيض إلى النقيض، فيتحول «عباس» من رجل السلام إلى رجل الحرب الشرس الذى لا يُشق له غبار!.
قطع رئيس السلطة الفلسطينية زيارته إلى الأردن وتصريحات قيادات حركة فتح باتهام «حماس» وتسارع وتيرتها لإلصاق التهمة بالحركة وإظهارها مدانة أو متورّطة فى التفجير دون أى إشارة إلى الاحتلال الإسرائيلى أو تحميله المسئولية أثارت شكوك وسخرية النشطاء، فهو المستفيد الوحيد من عملية التفجير كما عبرت عن ذلك بقية الفصائل، وهو المستفيد من ضرب الأمن فى قطاع غزة لتعطيل مسيرة المصالحة، خصوصاً أن هناك وفداً أمنياً مصرياً تزامن وجوده فى غزة ضمن جولات المباحثات مع «حماس»، ورغم أن الاحتلال الإسرائيلى يقف وراء تفجيرات مشابهة وقعت فى قطاع غزة، إلا أن التركيز على اتهام «حماس» كان الأبرز، وهو أمر مستبعد كون «حماس» ستكون فى المواجهة، فليس من الغباء الزج باسمها فى تلك المرحلة ولا الظروف الحالية، الأمر الذى أضاف بُعداً جديداً للحادث ومن يقف وراءه، فمن المستفيد من الزج بـ«حماس» فى حادث التفجير منذ الدقائق الأولى؟ وهل ثمة علاقة بين الاتهامات المباشرة لـ«حماس» ومن يقف وراء التفجير؟ ولماذا لم تُحمّل البيانات والاتهامات الاحتلال الإسرائيلى بالوقوف وراء الحادث، وهو المستفيد من إفشال المصالحة التى تسير على جمر؟!.
نقلا عن الوطن القاهرية