بقلم - جيهان فوزى
مع اقتراب الذكرى السبعين للنكبة التى تحل منتصف شهر مايو المقبل، قرّر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، إمعاناً فى تحدى الفلسطينيين وتعرية للعجز العربى وإظهاراً لغطرسة الولايات المتّحدة ومكافأة لإسرائيل. ذكرى النكبة من كل عام تنكأ الجراح، لأنها تفتح دفاتر التاريخ على صفحة تحاول إسرائيل دفنها ومحوها إلى الأبد من ذاكرة التاريخ، تحاول إثبات حقها فى الوجود على أرض اعتبرتها بلا شعب يستحقها شعب بلا أرض مثلما ارتكزت الدعاية الصهيونية منذ بداياتها فى القرن التاسع عشر على هذه الفكرة وروّجت لها، معتبرة أنه لا يوجد شعب فى فلسطين، وأن من حق اليهود الذين لا يملكون أرضاً أن تكون هذه الأرض لهم.
ورغم المحاولات المستميتة التى بذلتها إسرائيل منذ قيامها قبل سبعين عاماً ولا تزال تبذلها لترسيخ هويتها وإثبات أحقيتها فى فلسطين من خلال النشاط الاستيطانى الشرس الذى لم يتوقف، لكن محاولاتها لم تستطع طمس حقيقة أن هناك شعباً ضاربة جذوره فى الأرض لا يسقط حقه بالتقادم، ولا تلغى وجوده محاولات التهويد والسطو على التراث والتاريخ والأرض، نكبة الفلسطينيين بدأت عندما تأكد زعماء اليهود من نية انسحاب بريطانيا، وقرّروا فى تل أبيب خلال مايو 1948، تشكيل برلمان وطنى كممثل للشعب اليهودى والحركة الصهيونية العالمية تسمى «دولة إسرائيل»، وتقرر فتح باب الهجرة لكل يهود العالم إلى الكيان الجديد، واعترفت بها الولايات المتّحدة الأمريكية فى اليوم التالى، ثم تتالى بعدها اعتراف معظم دول العالم، ودخلت هيئة الأمم المتّحدة عام 1949، لكن ذلك لم يلغِ الهوية الفلسطينية ولا حقيقة الصراع العربى - الإسرائيلى رغم التدهور الذى ضرب عصب الأمة وتماسكها وانهيار فكرة القومية العربية. ففى غمرة الابتهاج والتهليل الذى يُبدع فيه بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، فاجأنا تقرير لصحيفة «هآرتس»، ينتقد فيه تصريح «نتنياهو» بأن نقل السفارة فى الذكرى الـ70 لقيام إسرائيل، أى 14 مايو المقبل، سيجعل الاحتفالات بهذه المناسبة أكثر فرحاً، مشيراً إلى أن نقل السفارة كان سيستحق فى الواقع احتفالات عظيمة لو جاء ذلك تتويجاً للمفاوضات الناجحة بين الإسرائيليين والفلسطينيين كرمز لبداية عصر جديد فى تاريخ الشرق الأوسط!.
وجاء فى التقرير: «كان لنقل السفارة إلى القدس أن يصبح كرزة على قالب الحلوى، الدبلوماسية الدولية الناجحة لو تمخّضت عنها اتفاقية سلام تستند إلى ترسيم الحدود وقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل وعاصمتها القدس الغربية. لو تم التوصّل إلى هذا الاتفاق كان بإمكان إسرائيل الاحتفال بنقل سفارة الولايات المتحدة والكثير من الدول الأخرى كنتيجة طبيعية لاعتراف العالم (بالقدس الغربية) عاصمة لها». وندّدت الصحيفة بإعلان «ترامب» أن قراره سيخدم السلام الإقليمى خدمة عظيمة، متسائلة: «كيف يمكن لنقل السفارة باستعجال كهذا أن يخدم السلام إذا لم تلُح أى بوادر للسلام فى الأفق؟. وهو ما يتناقض جذرياً مع موقف تل أبيب الرسمى المبتهج إزاء القرار».
لقد كانت صحيفة «هآرتس» الأكثر تأثيراً فى إسرائيل، أكثر جرأة، بإقرارها للواقع الذى عجز الحكام العرب عن الجهر به أو الدفاع عنه، بل كانت مواقفهم العلنية تجاه القدس وأزمة نقل السفارة منذ قرار «ترامب» تتناقض تماماً مع ما يدور فى الغرف المغلقة، وربما تتماهى مع ما تريده إسرائيل، وهو ما جعل «نتنياهو» لا يكف عن التفاخر بعلاقاته المتينة مع الحكام العرب والتلميح الدائم للاتصالات واللقاءات السرية التى تجمع بينهم والترحيب بصداقتهم مع إسرائيل!.
نقلا عن الوطن القاهرية