بقلم - جيهان فوزى
الرئيس الأمريكى جو بايدن على موعد مع زيارة الشرق الأوسط الشهر المقبل، وهى الزيارة الأولى له منذ توليه الحكم، ويتصدر برنامج الزيارة عودة العلاقات الفاترة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية على نحو خاص، فيما يتوقع أن تبقى قضية اغتيال الصحفية الفلسطينية - الأمريكية شيرين أبوعاقلة فى ذيل الاهتمام الأمريكى، وستبقى القضايا العالقة فى ملف الصراع الفلسطينى الإسرائيلى مفتوحة وقيد البحث والمماطلة السياسية، كما اعتدنا عليها من الولايات المتحدة، فمتى كانت الولايات المتحدة منصفة فيما يخص الفلسطينيين؟ ومتى كان للدم الفلسطينى أهمية فى أولوياتها؟ فهل تذهب دماء «شيرين» هدراً بعد أن أثبتت الوقائع إدانة إسرائيل؟ هل ستتخذ خطوات حازمة لردع إسرائيل فى هذا الشأن؟ الجواب «لا».
قضية «شيرين» تختزل معاناة الفلسطينيين، ورحيلها يجسد حجم القهر والظلم الواقع على الشعب الفلسطينى منذ عقود. غابت «شيرين» عن المشهد، لكن صوتها الذى كان يكشف دائماً جرائم الاحتلال لن يموت.
ما زال الأمل يحدو «فلفل» فى عودة صاحبته وصديقته ورفيقته «الغزالة» التى ذهبت ولم تعد، «فلفل» كلب الشهيدة شيرين أبوعاقلة، ما زال ينتظر رجوعها كل يوم، يقف «فلفل» ساعات طويلة أمام باب المنزل على أمل عودة صاحبته كما اعتاد دوماً، لكن الغزالة لا تعود، و«فلفل» لا يكل من الانتظار، وإذا كان الوفاء من صفات وشيم الكلاب، فإن الحزن على فراق أصحابها قد يصل حد الموت، الكلاب تشعر بأصحابها، تلامس حياتهم كل يوم، تعتاد رائحتهم، تشعر بأفراحهم وأحزانهم، كان «فلفل» صديقها ورفيقها وأنيس وحدتها، كان جزءاً من حياتها اليومية.
عندما يسمع «فلفل» طرقات على باب منزل «شيرين» يهرع نحو الباب متلهفاً على الغزالة تعود لتلهو معه، تداعب أذنيه ورأسه وتحتضنه بشغف بعد يوم عمل طويل وشاق. يجلس فوق كتفها يتابع معها تقاريرها التى يبثها التليفزيون مساء، وهو مطمئن البال.
لكن الغزالة لم تعد ولن تعود، بدأ الحزن يتغلب على ملامحه المطمئنة، وعينيه اللتين تجولان المكان الفارغ الذى كانت تشغله فى اللهو معه بقلق كل يوم، الفيديوهات التى تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعى للكلب «فلفل» تعيدنا إلى مشهد اغتيال «شيرين» البشع، وتعيد إلينا مشاعر الحزن والفقد التى عايشناها بعد استشهاد الغزالة من جديد، «فلفل» يذكرنا بأنها باقية لن تموت، يذكرنا بأن الغزالة ذهبت فى رحلة طويلة، لكن آثارها ورائحتها تملأ المكان، وصوتها يرن فى الآذان «سنوافيكم بالتفاصيل»..
رحلت الغزالة، وبقيت التفاصيل، تفاصيل اغتيالها الموثقة للعالم كله، والتى ما زالت حكومة الاحتلال تنكرها وتتنصل منها، وتعكف على صياغة تقريرها الملفق بإحكام، بعد أن قررت شرطة الاحتلال حجب نتائج التحقيق الذى أجرته حول الاعتداء على جنازة الشهيدة الصحفية «أبوعاقلة» فى القدس، متذرعة بأن نتائج التحقيق شأن داخلى يخص عمل الشرطة! خاصة أن هذا التقرير سيكون حاضراً على مائدة الرئيس الأمريكى جو بايدن الذى يزور منطقة الشرق الأوسط فى منتصف يوليو المقبل، بينما تجهز الجهات المختصة التحقيق العسكرى الخاص باستشهاد أبوعاقلة، تمهيداً للقاء المرتقب بين «بايدن» ورئيس الحكومة نيفتالى بينت، كما تستعد إسرائيل لاستئناف الانتقادات الدولية لها بسبب قضية إعدام الشهيدة برصاص القناص المتعمد.
فى الوقت الذى تحاول فيه ترتيب أولوياتها والقضايا المطروحة على طاولة البحث، وربما تشكل الزيارة منعطفاً جديداً فى منطقة الشرق الأوسط حيث تتطلع إسرائيل لاستكمال ما بدأته فى ملف التطبيع مع الدول العربية، لا سيما أن طائرة «بايدن» ستنطلق عبر الأجواء الإسرائيلية فى طريقها إلى السعودية، وهى المرة الأولى لأى رئيس أمريكى، ما يثير تساؤلات عما إذا كانت هذه الخطوة مقدمة للتطبيع بين المملكة وإسرائيل بعد أشهر من الحديث عن هذه المسألة.
لا أعتقد أن زيارة «بايدن» للأراضى الفلسطينية ستكون ذات أثر ملموس، وبالتالى فإن قضية اغتيال «شيرين» على أهميتها لن تأخذ الزخم والاهتمام المتوقع، فهناك من الملفات والقضايا الملحة، مثل أزمة روسيا وأوكرانيا وأسعار الطاقة العالمية وتصاعد الخطر الإيرانى النووى ما جعل من المحتم على إدارة «بايدن» محاولة ترتيب علاقتها مع المملكة السعودية، والقفز على البحث الجدى فى الملفات الفلسطينية العالقة، وهو ما عودتنا عليه الإدارات الأمريكية المتعاقبة طوال عقود، من الوعود المؤجلة، التى فى أغلبها لا يتم تحقيقها، فالمصالح الملحة هى من تفرض نفسها على جدول الأعمال، ومصالح إسرائيل دائماً لها الأولوية لدى الولايات المتحدة وعلى حساب الآخرين، وتهميش القضية الفلسطينية التى باتت من الماضى، فهل تذهب دماء شيرين هدراً؟ الغزالة التى كان لموتها معنى، هل يفلت قاتلوها من العقاب؟ ونعود لنفس الدائرة المغلقة، لا يبدو أن الولايات المتحدة معنية بإجلاء الحقيقة عما حصل، ولكنها ستعتمد الرواية الإسرائيلية لإغلاق ملف اغتيال «شيرين» دون حتى توجيه إدانة خجولة لإسرائيل.