توقيت القاهرة المحلي 18:25:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الطاقة السلبية.. القاتل المأجور

  مصر اليوم -

الطاقة السلبية القاتل المأجور

بقلم - جيهان فوزى

«من أمن العقاب أساء الأدب»، جملة عابرة نرددها لمواساة أنفسنا مع كل جريمة بشعة تُرتكب ويفاجئنا بها المجتمع، أصبح القتل واستباحة الأرواح والخطف والتحرش والانتحار سمة هذا العصر والزمان، لم تكن الصدمة فى قتل فتاة المنصورة بتلك الوحشية فقط، بل تضاعفت بالتعليقات المسيئة المتخلفة على الجريمة النكراء.

تركوا أصل القضية وانبروا يفندون فى أسباب عدمية شديدة القسوة تنم عن جهل واستهانة واستهزاء وغياب للوعى، فقتلت «نيرة» مرتين! اختزلوا الفاجعة فى كلام مرسل وتوحش غير مسبوق، تفوح من التعليقات رائحة الشماتة والتشفّى والعقد النفسية والازدواجية، تفضح وتعرى ضحالة الوعى المجتمعى.

فتاة كل ذنبها أنها قررت أن تمارس حقها فى الحياة وتختار طريقها بإرادتها، وترفض الإملاءات الذكورية المنحطة المتعطشة للانتقام، طعنوها بسيوف الجهل والضلال والتنمر، «نيرة» ابنة هذا الجيل.. الجانى والمجنى عليه، الجلاد والضحية، الذى يتأرجح بين نارين، قسوة الواقع، والأحلام المؤجلة، الصراع المحموم الذى لا يعرف نهاية، ولا يحط على أرض راسخة، كل الثوابت أصبحت مهزوزة، فتراجعت القيم وتغير مفهوم الأخلاق وانهار الضمير.

الصادم أن الكثير من التعليقات يكشف بشكل سافر إلى أين وصلنا من انعدام الضمير، وتغييب الوعى والضلال الذى غشى على العقل والمنطق، منتهى الخسة أن نترك القاتل يفر بفعلته البشعة ونكيل اللعنات على فتاة بريئة لمجرد أن لباسها لا يعجب البعض، رغم أنه أقل من العادى ولا يشى بشىء ولا يلفت الانتباه ولا يختلف عن لبس معظم فتيات الجيل، ولا يشكل أى إغراء ولا يثير ذوى النفوس المريضة.

لقد لفت انتباهى بعض التعليقات المسيئة التى أقل ما يقال عنها أنها همجية وسادية ولا ترتقى حتى للحيوانات التى ربما لديها رأفة أكثر كثيراً ممن كتبوها، تعليقات قميئة تخبرنا بأى مدى وصل انحدار السلوك والتفكير والأخلاق، تخبرنا بأن هؤلاء من العار أن يصنَّفوا كبشر، ورغم غضبى الشديد لما كُتب فى هذه التعليقات، أجد نفسى مضطرة لإعادة بعضٍ منها، علها تشعركم بعذاب الضمير والإحساس بالاشمئزاز والتقزز ممن صاغها وسمح له ضميره بكتابتها.. «ما هو لو أهلها ربّوها ماكانش حصل فيها كده»، والسؤال ما التربية من وجهة نظر من كتب هذا التعليق السخيف الذى ينم عن انحطاط وضحالة؟ ماذا فعلت الفتاة لتَّتهم بانعدام التربية؟ هل فتش فى حياتها وتقصى ظروفها، فخلص إلى هذه الحقيقة الفذة؟

بالتأكيد مَن تجرأ على كتابة هذا التعليق هو عديم التربية والأخلاق وليس المغدورة. «مش كان اغتصبها أحسن»!.. ما هذا التوحش والازدراء؟! سعادته يفضل الاغتصاب ويدعو له هكذا جهاراً وبثقة بغيضة وكأننا نعيش فى مجتمع الغاب، كلٌ يفعل ما يحلو له، ولا يدرك هذا الموتور أن الاغتصاب يساوى القتل، القتل المعنوى أصعب وأشد إيلاماً، وكلاهما جرم مثبت ويجب ردعه بقوة وحزم.

«أكيد هى بعيدة عن ربنا»، مَن نصّبك لتصدر أحكاماً خرقاء جزافية؟ هل فتشت فى نواياها فتأكدت من بعدها عن الله؟ وما دليلك على ذلك؟ العلاقة بين الإنسان وربه علاقة شديدة الخصوصية، ليس من حق أحد التشكيك بها أو التطرق إليها والعبث فيها، لتلوكها الألسنة والنفوس الضعيفة المريضة.

كان من باب أولى أن تبحث فى نفسك وضميرك عن علاقتك بالله، كيف تتقرب منه وتبتعد عن قذف المحصنات الذى هو من الكبائر وتُغضب الله عز وعلا. «قبل ما نتعاطف مع أحد، اعرف القضية كاملة مش ممكن هو عنده أسباب كتير تخليك تتعاطف معاه»!!.. حقيقة لا أجد رداً يناسب هذا التعليق، غير أنه صادر من شخص سطحى غير مسئول، هل كل من لديه مشكلات ومبررات يقدم على النحر والذبح هكذا بكل بساطة؟ كيف يمكن التعاطف مع قاتل أزهق روحاً مع سبق الإصرار والترصد وبدم بارد، لمجرد أن لديه أسباباً قد نتعاطف معها، نتعاطف مع القاتل ضد القتيل!

ما هذا المنطق الغريب والخطير؟ أنت تحرض على القتل متجاهلاً القانون؟ لمجرد الشك فى وجود أسباب لا يعرفها إلا القاتل، وقد أثبتت التحقيقات أنها أسباب تافهة لا ترتقى حتى إلى الاهتمام أو التعامل معها بجدية!! تلك التعليقات تزيد من الجريمة وتبريرها ومحاكمة الضحية! ليفلت المجرم من العقاب؟

كيف وصلنا إلى هذا المستوى المتدنى من الأخلاق والقيم وانعدام الضمير؟ إنها ظاهرة خطيرة لا بد من أخذها بجدية، أفكار الشباب وثقافتهم وأخلاقهم تتعرض لأزمة حقيقية إن لم نلتفت إليها ونعمل على مواجهتها والبحث فى أسبابها سيتحول هذا الجيل إلى ضباع وذئاب بشرية منفلتة، بعيدة عن العقاب، بعيدة عن الرقابة والتأهيل وتوجيه الوعى وخلق الطاقة الإيجابية لما هو مفيد، حالة الضياع التى يعيشها هذا الجيل أساسها انعدام الهدف والقضية لامتصاص الطاقة السلبية، فتكون النتيجة الانخراط فى عالم المخدرات والإدمان والتفاهة.

العوالم السفلية من السهل السقوط فيها، ولا تستطيع أية رقابة أسرية تجنبها، نحن بحاجة إلى برامج تثقيفية تلامس ميول الشباب، وتشعرهم بقيمتهم فى المجتمع، تفتح أمامهم آفاق المستقبل والثقة بالنفس، توجّه طاقاتهم المكبوتة فيما يخدم المجتمع، حتى لو بدأت بمخيمات «العمل التطوعى» التى تُخرج الطاقات الكامنة والمواهب المدفونة، تنمّى الوعى وتوسع الادراك وتنشر الثقافة المنفتحة والمفيدة لمستقبل جيل أفضل.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الطاقة السلبية القاتل المأجور الطاقة السلبية القاتل المأجور



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:47 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

وفد أميركي يزور دمشق للقاء السلطات السورية الجديدة

GMT 09:42 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الرئيس بزشكيان يختم زيارته للقاهرة ويعود إلى طهران

GMT 10:00 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني

GMT 11:30 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أفضل الأماكن لتجنب الإصابة بالإنفلونزا على متن الطائرة

GMT 18:59 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أسهل طريقة لتنظيف المطبخ من الدهون بمنتجات طبيعية

GMT 22:16 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

مواجهة أسوان لا تقبل القسمة على أثنين

GMT 18:47 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"

GMT 05:37 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

جوليا روتفيلد تكشف للفتيات دليل ارتداء ملابس الحفلات

GMT 17:06 2018 الإثنين ,05 شباط / فبراير

تعرفي على طرق مبتكرة لوضع المناكير الأحمر

GMT 20:57 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

فيليب لام يصف قضية مونديال 2006 بالكارثة الشخصية لبيكنباور
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon